تجربة انتخابية ناجحة في لبنان

TT

ان تكون الانتخابات النيابية اللبنانية جرت بسلام وهدوء، انجاز بحد ذاته، خصوصا ان الاجواء السياسية التي افرزتها حدة الخطاب السياسي في سياق الحملة الانتخابية حملت الكثيرين على التخوف من انعكاساتها الامنية على الشارع اللبناني.

على هذا الصعيد تستحق الدولة والاجهزة الرسمية المعنية تنويها بقدرتها على حماية عملية الاقتراع واحتواء التجاوزات والاشكالات الامنية باقل قدر ممكن من التدخل المباشر.

وان تظهر النتائج الاولية توزع الفائزين بالنيابة على اكثر من لائحة واحدة في معظم دوائر الجبل والشمال، شهادة اخرى بالنضج السياسي للناخب اللبناني الذي اختار ممثليه في البرلمان بقرار شخصي لا يتقيد باللوائح المفروضة من هذه الجهة او تلك.

الا ان عبرة الانتخابات اللبنانية الاولى في الالفية الثالثة، والاولى بعد انسحاب المحتل الاسرائيلي من جنوب البلاد، تبقى في كونها اول انتخابات جمعت «جبهتي» الحرب الاهلية اللبنانية في لوائح موحدة، متجاوزة الانقسامات الطائفية التي خلفتها الحرب ومقدمة الطرح المستقبلي لهوية الوطن على خصومات الماضي القريب.

واذا كانت ثمة عبرة من نتائج المرحلة الاولى للانتخابات اللبنانية فقد تكون في استعادة الناخب اللبناني المبادرة في قرار صياغة نظامه السياسي وقرار تحديد توجهات بلده وتفعيل دوره السابق في المنطقة. وفي هذا السياق يمكن القول ان اللبناني اعاد تأكيد وحدة وطنه في نطاق التنوع التراثي والتاريخي لمجتمعه وفي اطار الحوار السياسي الحر. في ضوء هذه التجربة بالذات تبدو الساحة السياسية في لبنان مقبلة على تغييرات بعيدة الامد، ففوز العديد من اركان المعارضة يثبت ان سياسة مقاطعة اللعبة البرلمانية لم تعد مجدية وان النظام الديمقراطي اللبناني يتسع للجميع، موالين كانوا ام معارضين، ويوفر المنبر الشرعي، والاسلم، للحوار السياسي. ومع التسليم بان الديمقراطية اللبنانية لا تخلو من الشوائب، فان صمود هذه التجربة في مواجهة الحرب الاهلية اولا، وفي مواجهة كافة المؤثرات السلبية تاليا، يعيد التأكيد على ان الديمقراطية اللبنانية اكتسبت على مر الزمن والممارسة مناعة كافية للاستمرار كصيغة عيش مشترك لكافة ابنائها، بصرف النظر عن معتقداتهم الوجدانية واهوائهم السياسية.