ما تفتقده الديمقراطية العمانية

TT

لست من المتابعين المداومين للفضائيات العربية، ولكنني كثيرا ما أجد نفسي مشدودا لمتابعة الحفلات الموسيقية للفرقة السيمفونية السلطانية العمانية، ومناقشات مجلس الشورى العماني. أتابع مسيرة هذا المجلس كتجربة جديرة في تطوير الديمقراطية على مراحل. استهوتني الفكرة حتى كرست بضع سنوات في دراستها والكتابة عنها بما تمخض عنه نشر كتابي «Oman and the Experiment in Democracy»..

ما لفت نظري في مناقشات المجلس غياب العنصر النسائي فيها. وما جاء ذلك بسبب أي حظر على مشاركة المرأة في الحياة العامة، أو أي قيود على حرية المواطنين، بل على العكس تسبب في ذلك احترام الدولة لحريتهم. فكان الناخبون والناخبات هم الذين لم يكونوا يعطون أصواتهم للمرأة. وقد سبق أن فاز عدد منهن في الدورات السابقة للمجلس، ولكن مع الأسف لم ينجحن في انتخابات هذه الدورة. وأرجو ألا يكون المانع نتيجة عدم كفاءتهن في الأداء وتمثيل طموحات ومطالب الناخبين. فأداروا ظهورهم لهن.

كنت أتابع في الأيام الأخيرة مناقشات مجلس الشورى في مساءلة وزير القوى العاملة. غياب المرأة عن القوى العاملة في بلد تزيد فيه نسبة الإناث على الذكور فيه الكثير من النشاز، ولا سيما عندما يكون الكلام يعنيهن بالذات، كما حصل عندما أشار أحد الأعضاء إلى فشل القطاع الصناعي في الاستفادة من خريجات معهد الخياطة. إنه شيء جميل وكريم في أن يقوم رجل (ممثل منطقة نزوة) بإثارة موضوعهن وتبني حقوقهن. ولكن أفلا يجدر بأن تكون هناك امرأة قد لا تجيد الخياطة ولكن تجيد السياسة فتلعب دورها في تمثيل حقوق من تشتغل بالإبرة والخيط؟

الحقيقة أنني وجدت أن مناقشة السيد وزير القوى العاملة التي استمرت ليومين، لم تحظ بغير قسط صغير من الاهتمام بشؤون المرأة ودورها في عمليات الاقتصاد الوطني وتنمية السلطنة عموما.

لا تحظى المناقشات البرلمانية على التلفزيون بقسط كبير من وقت المتفرجين في أي بلد كان، رغم كل أهميتها وحيويتها.

وقد وجدت مناقشات مجلس الشورى مملة ومجردة من الحيوية، ولا تزيد على أسئلة مؤدبة من الأعضاء وأجوبة محترمة من الوزراء. لا أحد يجرؤ على مقاطعة المتكلم أو إطلاق صاروخ ساخر يثير عاصفة من الضحك والتصفيق والمداخلات والاحتجاجات. فالأدب السياسي البرلماني العالمي يغص بأروع القفشات والنكات الخالدة. يا عيني على المخرج التلفزيوني العماني في محاولة إضفاء شيء من الحياة على النسيج الكلماتي والوجوه الواجمة. ما المطلوب؟ وكيف يعطي الحياة لهذا الجسم؟

هاكم ما أقول: هاتوا بالمرأة. فوجودها يثير في الحاضرين الرغبة في الاستعراض والإبداع، ويضيف لونا للقطة التلفزيونية. نعم، هاتوا بالمرأة فلا حياة من دونها. إذا كان الناخبون يبخلون بأصواتهم عليها، فعلى السلطة أن تسد النقص بتخصيص عدد من المقاعد للمرأة. هذه المحاصصة متبعة بشتى الأشكال في كثير من البلدان، ومنها العراق مثلا. وفي مصر خصصوا نسبة من المقاعد للعمال، المحرومون أولى بالمعروف.

إذا كانت المرأة العمانية تجيد العزف الموسيقي في الفرقة السيمفونية، فلم لا تجيد العزف السياسي في مجلس الشورى؟