كل فتاة....

TT

أجمل أنواع الحب وأنبله حب البنت لأبيها وليس في المسرحيات والروايات فحسب كما فعلت ابنة الملك لير الثالثة لتنقذه من العقوق، ولكن في الحياة أيضا، فها هي هنا كلاي ابنة الملاكم الأعظم محمد علي تقدم مثالاً آخر على ذلك الحب النادر في كتاب جديد لها يصدر الأسبوع المقبل واسمه (More Than A Hero).

وكتاب اكثر من بطل قصائد شعرية كتبتها البنت المغرمة بوالدها، لتعبر عن تلك المحبة الاستثنائية، وأهدت الكتاب للأب، الذي تقول عنه انه يحب الاشياء التي تخرج من القلب، ومثل هذه الاشياء لا يشترى، فلا بد والحالة هذه ان تنبع من قلب محب لتصل إلى غرضها وغايتها.

وهنا كلاي ترفض ان ترى والدها في صورة المريض المقعد الذي أفقده مرض الباركنسو النطق، واوشك ان يفقده الحركة، انما تراه في صورته المثالية حين كان «الأعظم» والأكبر والأشهر.

وتلك أيام تتذكرها البنت جيداً وتوظفها لتلميع صورة الأب، الإنسان، فقد قالت المؤلفة الشابة لصحيفة «صنداي تايمز» قبل يومين ان الشهرة لم تفسد محمد علي كلاي، بل جعلته اكثر انسانية، فقد ضبطها ذات يوم حسب روايتها وهي تقول: انا بنت محمد علي كلاي واستطيع ان افعل ما أشاء. فأخذها الى ركن هادئ وتحدث معها عن ان جميع البشر متساوون في عيون الرب، ويجب ألا تظن ان الشهرة والغنى يعطيانها ميزة تبيح لها ان تنتهك حقوق الآخرين او تقصر في واجباتها، ترى كم بنت من بنات الاثرياء تعرف هذه الحدود أو تلتزم بها..؟

وحتى الذكريات المؤلمة تحيلها البنت المحبة الى قصص لصالح والدها، فحين انفصل محمد علي كلاي عن زوجته الثالثة (أمها) وبدأ كل منهما ينام في غرفة مستقلة، بعد ان اكتشفت الزوجة المخدوعة ان الملاكم يلاكم في الليل واحدة اخرى غيرها، فزعت البنت من التغير الجديد، فجاء الأب وهدأ قلقها، واخبرها ان امها تنام منفصلة لانه يشخر كالبعير اثناء الليل ويقلق نومها لذا اختارت والدتها السلامة حرصا على راحتها.

وتصل هنا كلاي بأبيها إلى اعلى حدود المثالية، فتؤكد انه لا يحمل حقداً على الآخرين ولا يصف خصومه بصفات سلبية بمن فيهم جو فريزر، ثم تضيف انه تعامل بروح فلسفية حتى مع الذين سرقوه ونهبوا ثروته، فلم يقدم أي شخص منهم للمحكمة وتحاشى الإساءة اليهم وإلى غيرهم من الذين اساءوا إليه في شيخوخته، وشبابه.

وقد لا يكون محمد علي كلاي بهذه المثالية التي تسطرها ابنته، «وكل فتاة بابيها معجبة» لكن مجرد قيام بنت بكل هذا الجهد لمواساة والد مريض وشبه مقعد يعد من الخطوات المثالية التي لا يمكن انكارها وخصوصا في عالم الغرب المادي، حيث يرمي الأولاد أهلهم ليرتاحوا من مسؤوليتهم في مأوى العجزة.

ان كتاب (اكثر من بطل) وبغض النظر عن مستوى شعر هنا كلاي ونثرها يعيد التأكيد على ما هو أعمق من التفسير الفرويدي للعلاقات الأبوية، والامومية، فليس من الضروري أن تحمل كل بنت تحب والدها عقدة اليكترا ويحمل كل ولد يحب امه عقدة أوديب، فتوزيع العقد، وايجاد اسماء لها أسهل من تأكيد قيم المحبة والوفاء بكل السبل والوسائل المتاحة لشابة في مقتبل العمر.

لقد كتبت هنا كلاي كتاباً كاملاً، لتقول لابيها المريض رمزاً: آه لو تدري يا أبي كم احبك...

ولا شك انه يدري، ويعرف ويصدق لكنه ككل المؤمنين، والمحبين، والمصدقين يبحث عن الدليل المادي ليؤكد العاطفة المعنوية قبل ان يقول: بلى، ولكن ليطمئن قلبي.