متى يتعلم الأتراك؟ ونحن والفرس معهم؟

TT

غريب ان تمنع تركيا منذ ايام تداول المئات من الاغاني والاعمال الموسيقية باسم مكافحة التهريب والنسخ غير المشروع لهذه الاعمال، وباسم الدفاع عن الحقوق الفكرية (حقوق المؤلفين والملحنين والمؤدين).

ومصدر الغرابة ان تكون تركيا (الدولة) بالذات هي التي ترفع سيف مكافحة التجارة غير الشرعية في مجال الاغاني والموسيقى، فيما تعج البلاد وتضج بكل انواع التهريب والتجارة غير المشروعة في كل شيء تقريبا، بما في ذلك تهريب المخدرات والاسلحة وتجارة الجنس على نطاق واسع. بل ان بعض هذه العمليات يجري بعلم مسؤولين كبار في الدولة، عسكريين ومدنيين، وبضلوع من آخرين. وهذا ما فضحته منذ اربع سنوات على الاخص تحقيقات رسمية اظهرت ان قياديين في اجهزة الامن ووزراء واعضاء في البرلمان ونشطاء في الاحزاب التي حكمت في مراحل مختلفة كانوا على علاقات وثيقة بعصابات المافيا المحلية التي ينخرط فيها ايضا مهربون كبار وقتلة محترفون وقوادون وعاهرات وراقصات وغاسلو اموال حرام.

اكثر من هذا ان بعض عمليات التهريب تحظى بموافقة الحكومات التركية، وبينها تهريب النفط العراقي الى السوق التركية في سيارات صهريج.

ومصدر الغرابة ايضا ان تركيا لم تزل دولة تقف على مسافة غير قصيرة من الامم المتحضرة التي تحترم الحقوق الفكرية والابداعية وتؤمنها. بل ان حقوقا اساسية واولية للانسان لم تزل غير محترمة وغير مؤمنة في تركيا، كحق الانسان في ان يتحدث بلغة ابائه واجداده، وان يرقص في الهواء الطلق على الايقاعات والانغام الشعبية المتوارثة جيلا بعد جيل. وهذا ما يحدث في تركيا بالذات مع الاكراد والارمن وسواهم.

عند تفحص الاعمال الغنائية والموسيقية التي قررت تركيا اعدامها نجد انها في الغالب كردية. ولان في تركيا ايضا دولة تخشى حتى ظلها فهي تخاف من الحرية وقررت منع تداول الاغاني والمقطوعات الموسيقية التي تعتقد انها ستزيد من ارتباط الاكراد بكرديتهم.

وفي تركيا ايضا، كما في العراق وايران، دولة لا تأخذ العبرة لا من تجاربها ولا من تجارب جيرانها. فلمئات السنين ظل محظورا على الاكراد ان يظهروا لبعضهم بعضا ولغيرهم انهم اكراد، سواء بالكلام او بالغناء او بالرقص. وفي النهاية لم يتحقق ذلك لمن ظلوا يصدرون فرمانات الحظر الواحد تلو الاخر ويعملون على تطبيقه بالقوة الهمجية. ففي العراق مثلا ابيد 182 الف كردي دفعة واحدة منذ ما يزيد قليلا على عشر سنوات ودمرت في عقد الثمانينات ايضا مدن وقرى يقدر عددها بأربعة الاف، وفي تركيا ايضا ابيد الآلاف ودمرت مئات المدن والقرى الكردية بمثل هذه الفرمانات.

كل الذي تحقق في العراق وتركيا وايران من سياسة محو الهوية الكردية للاكراد ان هذه البلدان الغنية على نحو فائق بثرواتها الطبيعية لم تزل تقف في طابور البلدان المتخلفة، فيما الاكراد ما زالوا يتحدثون لغتهم ويغنون اغانيهم ويرقصون على ايقاعاتهم التقليدية، وسيظلون كذلك الى الابد مثل كل الامم الكبيرة الحية. فمتى يدرك الاتراك، وكذلك العرب والفرس، هذه الحقيقة البسيطة، ليس من اجل الاكراد وحدهم وانما من اجل الاتراك والعرب والفرس اولاً؟

[email protected]