حرب الجبل

TT

بعد ان تستكمل الانتخابات النيابية اللبنانية نهاية الاسبوع المقبل، يكون واقع سياسي جديد قد رسم نفسه من خلال البرلمان. لكن السؤال حتى اللحظة، ما هو النهائي وما هو الآني في التحالفات الانتخابية التي ادت الى فوز المعارضة في المرحلة الاولى، على نحو لم يكن يتوقعه المعارضون ولا الموالون؟ وفي قراءة آنية اولى يبدو وكأن جزءاً من الحرب اللبنانية قد سقط. فالناخب الذي اغفل ايلي حبيقة في عاليه وزاهر الخطيب في الشوف هو ايضاً الذي ختم على «المصالحة» التي عقدت في «قصر المختارة» بين الرئيس امين الجميل والزعيم وليد جنبلاط، وهو امر لم يكن متخيلاً قبل اسابيع. وكان الرجلان قد خاضا حرب لبنان كل على جبهته، ثم خاضا «حرب الجبل» وهي الفصل الاكثر حسماً في فصول القتال، داخلياً واقليمياً ودولياً. ومع انه لم تمض على عودة الجميل من منفاه الباريسي الا فترة قصيرة، فقد حدث متغيران اساسيان في الخريطة السياسية: الاول تحالفه مع جنبلاط وتوقيع بيان يعتبر الزعيم الدرزي فيه ايضاً ان لبنان «منقوص السيادة والاستقلال»، ثم «استرداد» الجميل لحزب «الكتائب» الذي سقط رئيسه منير الحاج في انتخابات المتن، بعد تعرضه للتفكك على مدى السنوات الماضية.

هل التحالف بين الجميل وجنبلاط مستمر ام لا؟ المعروف ان جنبلاط متحالف في صورة مطلقة مع الرئيس رفيق الحريري. والعلاقة بين الجميل والحريري مقطوعة. لكن الخصومة في مكان تسهل المصالحة في مكان آخر. وبعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات سوف نرى الى اين تذهب الكتل البرلمانية وكيف تتجمع. وسوف يكون السؤال الرئيسي في النهاية، اين يقف الرئيس نبيه بري و«حزب الله» المتحالفان في الجنوب والبقاع، اي هل هما في كتلة الدولة ام في تكتل المعارضة؟ ام ان بري سيظل يلعب لعبة الصاعق المتنقل في الحياة السياسية، والرجل الذي ترسله سورية الى التهدئة كلما اشتدت حدة الصراع والتنافس وبلغت حافة الهاوية كما حدث في الايام القليلة الماضية.

تيارات ام كتل؟ تحالفات ام خلاف؟ مواثيق ام بيانات؟ هل يبقى، او هل يمكن ان يبقى التحالف قائماً بين الرئيس رفيق الحريري والنائب سليمان فرنجية ووليد جنبلاط، اذا ظل الاخير يرفع وتيرة التلميحات الى الدور السوري؟ وهل تفضي نتائج الانتخابات النيابية الى تغيير رئيسي في الحكومة وتفرض عودة الحريري ام تسوى المسألة بالبحث عن حل ثالث، ما بين الحص والحريري اللذين قطعا مرحلة اللاعودة في المعركة على السواء؟

اذا كان وليد جنبلاط قد ذهب الى بكفيا وامين الجميل قد ذهب الى المختارة، فان كل شيء آخر يبدو محتملاً او ممكننا او حتى «طبيعياً» بعد اليوم. والواضح في اي حال ان ثمة وجوها تغيب واخرى تظهر وثالثة تشحب. مواقع تتبدل وتتغير. بالامس كان سقوط ايلي حبيقة مستحيلاً مثل عودة امين الجميل. وكان استضعاف نسيب لحود محسوماً مثل قوة ميشال المرّ. وكان تحالف فرنجية ـ معوض «تاريخياً» مثل انفكاكه. وكان فارس بويز الرجل الذي لا يغيب عن «الواجهة» وليس الرجل الذي يتعثر في العودة اليها. وكان التحالف بين «الكتائب» و«السوري القومي» في المتن يمكن ان يعطي الفوز لأي لائحة، فنجح الاول وسقط الاخير وكل انتخابات وانتم بخير.