ديمقراطية الدينار والدولار

TT

لا يكاد يوم يمر في هذه الآونة دون ان تجري انتخابات من نوع ما في بلد ما من العالم، انها موضة الموسم، ما زالت الولايات المتحدة منشغلة بانتخاباتها الرئاسية. وجرت في لبنان الاحد الماضي انتخابات عامة. اتهم اثناءها د. سليم الحص بعض المرشحين باستعمال ثروتهم في شراء اصوات الناخبين وناشد السكان بأن يديروا ظهورهم لذلك ويصوتوا حسب ضميرهم ومبادئهم. ومع احترامي الجليل للدكتور الحص، فانني افترق معه في هذه النقطة. فبالنسبة لكثير من الكادحين هذه فرصتهم الوحيدة في الحياة ليكسبوا فيها بضع ليرات من دون تعب، وهو ما يحصل لرجال المال والاعمال كل يوم، بل وفي الدقيقة الواحدة. ما الفائدة من التصويت لأصحاب المبادئ والوطنية؟ ما ان يفوزوا ويدخلوا المجلس حتى ينسون مبادئهم ووطنيتهم ويجرون وراء مصالحهم الخاصة. على الاقل يستطيع الفقير ان يكسب قرشين أو ثلاثة نقدا ومقدما من بيع صوته ولا يضيعه على اصحاب المبادئ والوطنجية.

اعتقد ان هذا ما يعطي ديمقراطيتنا العربية تميزا على امريكا فهي عندهم ايضا تقوم على المال حتى قيل ان الديمقراطية الامريكية هي احسن ديمقراطية يمكنك ان تشتريها بالفلوس، ولكن العيب فيها ان الفلوس تذهب في جيوب خبراء الاعلان والتلفزيون والعلاقات العامة. في حين انها عندنا تذهب في جيوب الناخبين مباشرة. ولنا اساليب متطورة في ضمان ذلك. كان المرشحون في العراق يقطعون الدينار الى نصفين، يعطون الناخب نصفا كعربون ثم يعطونه النصف الثاني بعد ان يدلي بصوته لهم.

نتفوق عليهم ايضا في اسلوب الولائم. فكل معركة انتخابية هي مأكلة كبرى. يقوم عندنا المرشح بعقد ولائم سخية، خرفان محشية ورز باللوز والزعفران وكل ما لذ وطاب. يدعو لها كبار الناخبين على امل ان يذكروا الخبز والملح عندما يدلون بأصواتهم. يفعلون مثل ذلك في امريكا ايضا ولكن على الضيوف هناك ان يشتروا اماكنهم حول المائدة بمئات واحيانا بألوف الدولارات باسم المساهمة في حملة المرشح للفوز بالانتخابات. من الواضح ان اسلوبنا اكثر ديمقراطية وكرما للناخبين. لم يذق الكثير منهم طعم اللحم منذ سنين. وهذه فرصتهم.

يقال ان نسبة الامية في الولايات المتحدة قاربت الاربعة في المائة، بالطبع نسبتها عندنا اعلى من ذلك بكثير. ولكننا نظمنا عملية الاقتراع بحيث نساعد الجاهل والأمي.

في حين انهم في امريكا لا يعبأون به مطلقا ويتركونه حابله على غاربه. وهو ما يأبى المسؤولون في عالمنا العربي ان يتجاهلوا امره. حدثني احدهم فقال انه في احد الانتخابات الرئاسية التي جرت في احدى الجمهوريات العربية ذهب ناخب الى مركز الاقتراع وادلى بصوته. عاد الى البيت فسألته زوجته عما فعل. قال رحت اعطيت صوتي. وضعت اشارتي على «لا». فثارت عليه زوجته، يا مجنون، يا احمق، يا بلوتي السودة فيك! تكتب «لا»!؟ راح يحبسوك ويضربوك ويطردوك من الشغل، اركض للمركز واعتذر لهم وصلح ورقتك. وحط نعم.

وبالفعل استمع الزوج لنصيحة زوجته، وهو شيء نادر آخر في عالمنا العربي، فأسرع الى المركز، اعتذر للمسؤولين وقال انه تشوش واشر على «لا» بدلا من «نعم». فقالوا له: «لا ابني لا! ما تخاف. نحن عرفنا انك تشوشت، وبعد ما رحت صلحنا لك القسيمة وسويناها «نعم».