هبوط الرئيس كلينتون الاضطراري محاولة لإنقاذ الموقف.. وقد ينجح

TT

اليوم (الثلاثاء) يلتقي الرئيس كلينتون بالرئيس حسني مبارك في القاهرة، ليبحثا سبل تحريك عملية السلام وايجاد مخرج لمأزق القدس الذي اصبح مأزقاً رئيسياً من مآزق عملية السلام العديدة.

ويأتي هذا اللقاء بعد سلسلة من الجهود المصرية التي استهدفت بلورة اقتراح محدد بشأن مدينة القدس، شملت لقاءات مصرية ـ فلسطينية ومصرية ـ اسرائيلية.

قبل اسبوعين من الموعد المتفق عليه لاعلان الدولة الفلسطينية المستقلة يهبط كلينتون في مطار القاهرة لبحث المخرج من المأزق، وهو لا شك هبوط اضطراري فرضته تعقيدات شؤون عملية السلام.

ولا شك ان قرار الرئيس كلينتون بالهبوط في مطار القاهرة لبحث الامور يجيء انعكاساً لشعوره بان اعلاناته المتعددة حول الشرق الأوسط، بعد انفضاض قمة كامب ديفيد لم تفد ولن تفيد في دفع عملية السلام للامام، بل ربما زادتها تعقيداً.

لقد شكل الرئيس بيل كلينتون انطباعاً جديداً بعد قمة كامب ديفيد، مستنداً الى تقرير المبعوث الاميركي الخاص ووكر.

فقد عاد السيد ادوارد ووكر من المنطقة بعد ان اطلع على رأي وموقف الملوك والرؤساء العرب حول قضية القدس، وهما رأي وموقف لا يختلفان عن موقف ورأي الفلسطينيين. فقد اكد القادة العرب للسيد ووكر ان القدس الشريف محتل وان السيادة يجب ان تعود للفلسطينيين على القدس الشرقية التي احتلت عام 1967.

كما ساهمت التقارير الواردة من عواصم العالم التي زارها الرئيس ياسر عرفات في تكوين انطباعات الرئيس بيل كلينتون الجديدة.

فقد اكدت التقارير على التزام الفلسطينيين بعملية السلام وبمرجعيتها الدولية، وعلى ان الفلسطينيين ابدوا مرونة في ما يتعلق بتاريخ اعلان الدولة، ان هم لمسوا التزاماً اسرائيلياً واستعداداً لتطبيق الشرعية الدولية وقراراتها.

من ناحية أخرى يرى الرئيس كلينتون ـ وبالطبع الولايات المتحدة ـ ان الوضع في المناطق الفلسطينية خطير ويغلي ويهدد بالانفجار، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة السياسية الاسرائيلية انجرافات نحو التطرف الديني والتطرف السياسي.

ولقد ادت كل هذه التطورات إلى ازدياد شعور الولايات المتحدة والرئيس بيل كلينتون بانه لا بد من تحرك جديد لانقاذ الموقف خلال هذه الفترة القصيرة من الوقت المتاح للرئيس بيل كلينتون من ناحية ولرئيس وزراء اسرائيل من ناحية أخرى.

فالرئيس كلينتون يملك اشهرا قليلة لاتمام ما يتمنى اتمامه وهو اتفاق سلام في الشرق الأوسط، قبل خروجه من البيت الأبيض.

ورئيس وزراء اسرائيل يملك ثلاثة اشهر من حرية الحركة قبل ان يعود الكنيست الاسرائيلي من اجازته السنوية، لتبدأ المعارضة المتطرفة حربها على عملية السلام داخل البرلمان الاسرائيلي.

وبداية التحرك هبوط الرئيس كلينتون، والذي اسميناه اضطرارياً، لأنه اضطراري من هذه الزاوية، ولا شك ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ستعود للشرق الأوسط بسرعة ضمن السياق نفسه.

والسؤال الذي يتبادر عند هذه الزاوية الجديدة في الحركة الاميركية هو: ما هو الجديد في جعبة الولايات المتحدة؟

لقد سبق للرئيس كلينتون ان اعلن بعد قمة كامب ديفيد انه بذل كل ما يمكن ان يبذله ولم يتمكن من ردم الهوة بين الطرفين، رغم اعترافه ان تقدماً حصل على اكثر من جبهة من جبهات المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية.

واعلن الرئيس كلينتون ان على الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني ان يتخذا القرارات الصعبة لردم الهوة قبل ان يكون بمستطاع الولايات المتحدة ان تساهم في صنع اتفاق السلام.

بعد هذين الاعلانين يهبط كلينتون هبوطه الاضطراري في القاهرة. اي ان هنالك جديداً لدى الولايات المتحدة، وان الرئيس كلينتون على أقل تقدير، ايقن ان بامكانه ان يفعل اكثر مما فعل في كامب ديفيد.

والحقيقة التي يجب ان تقال هنا ان باستطاعة الرئيس كلينتون ان يفعل اكثر مما فعل في كامب ديفيد وان باستطاعة الولايات المتحدة ان تدفع عملية السلام دفعاً جدياً للأمام قبل ان تصل الامور في الشرق الأوسط إلى الطريق المسدود: طريق الانفجار.

واقل ما يقال في هذا الصدد هو ان الولايات المتحدة قادرة على اقناع اسرائيل بان تطبيق قرارات الشرعية الدولية ـ قرارات مجلس الامن بشكل خاص ـ هو امر لا يمكن التغاضي عن رفضه ـ اي رفض التطبيق.

والرئيس كلينتون يعلم حتماً ان القرار 242 كان قراراً هندسته الخارجية الاميركية وان الولايات المتحدة ملتزمة به وتعتبره مرجعاً في عملية السلام، وان هذا القرار هو الاساس الذي بنيت عليه معادلة الرئيس ريغان: الارض مقابل السلام.

والمعادلة لم تقل «جزء من الارض مقابل السلام» بل «الارض مقابل السلام».

والرئيس كلينتون يعلم ان القدس الشرقية احتلتها اسرائيل عام 1967. اي ان قرار مجلس الامن 242 يشمل القدس الشرقية وان تطبيق القرار، بالضرورة، يعني انسحاب اسرائيل منها.

ان الغلطة التي ارتكبها الرئيس كلينتون بعد قمة كامب ديفيد، حينما كال المديح للسيد ايهود باراك وانتقد الرئيس ياسر عرفات، تحتاج إلى تصحيح.

فقد حصل تماماً ما توقعناه. فقد اعطت تصريحاته تلك، وما تبعها من اعلان عن نية نقل السفارة الاميركية للقدس، دعماً كبيراً للمتطرفين والتوسعيين الاسرائيليين، فراحو يصادرون مزيداً من الاراضي ويهدمون بيوت الفلسطينيين تحت حجج مختلفة، وارتفعت درجة حرارة الفاشية في اسرائيل والممارسات العنصرية.

كما شجعت تلك التصريحات «الغلط» حاخامات اسرائيل على بحث بناء كنيس على ارض المسجد الاقصى المبارك.

وشجعت تلك التصريحات ايضاً عوفاديا يوسيف، حاخام شاس، على نعت الفلسطينيين بالافاعي وانه لا يجوز اقامة السلام معهم وان السلام يجب ان يعني شيئاً واحداً هو امن اسرائيل.

الجديد يجب ان يكون شيئاً جديداً في جعبة الرئيس كلينتون وان يبدأ هذا الشيء بتصحيح الخطأ الذي ارتكب بعد قمة كامب ديفيد.

الاسرائيليون متشائمون من مستقبل عملية السلام. هكذا تصف اجهزة الاعلام الاسرائيلية آراء الاسرائيليين، ومراكز الاستفتاءات تشير إلى ان شعبية نتنياهو تفوق شعبية باراك، اي ان هنالك نمواً في نفوذ اليمين والتطرف والعنصرية والتوسع.

والفلسطينيون حذرون لانهم لا يرون في الموقف الاميركي حتى الآن موقفاً يرجح كفة الشرعية الدولية والحق واقامة السلام. والاميركيون قلقون خوفاً من اندلاع العنف في المنطقة ذات الاهمية الحيوية والاستراتيجية لمصالحهم.

ونحن نقول للرئيس كلينتون ان موقف الولايات المتحدة هو القادر على حسم الامور بالاتجاه السليم. اي ان اتخاذ الرئيس كلينتون موقفاً منسجماً مع المواقف الرسمية للولايات المتحدة خاصة التزامها بالقرار 242، وان القدس الشرقية محتلة، سيتيح المجال للاطراف كافة واولها الطرف الاسرائيلي للسير نحو اتفاق السلام، اذ ان مظاهر نمو العنصرية واليمين المتطرف كافة، في اسرائيل، ستختفي أو تخف اذا اتخذ باراك قراراً بتطبيق القرار 242 والتوجه لتوقيع معاهدة سلام مع الفلسطينيين. فالواضح ان الاغلبية الاسرائيلية القلقة وذات الموقف المتأرجح سوف تؤيد باراك في ما اذا توصل لاتفاق. ان الغالبية في اسرائيل تريد اتفاقاً وستقف إلى جانب رئيس الوزراء ان هو وقّع مثل هذا الاتفاق مع الفلسطينيين.

فاليمين المتطرف والمتطرفون المتدينون اصبحوا فوق القانون في اسرائيل ولا تستطيع المحاكم ان تنال منهم. وباراك يواجه معركة الفصل بين الدين والدولة بعد ان اصبح هذا الوضع خطيراً. اذ انه في الوقت الذي تحقق فيه الدوائر المسؤولة مع رئيس الدولة، السابق، وايزمن ورئيس الوزراء، السابق ايضا، نتنياهو تعجز عن توجيه سؤال لعوفاديا يوسيف حول تفوهاته العنصرية وكلامه النابي. فباراك بحاجة للاتفاق كي يتفرغ لمواجهة معركة فصل الدين عن الدولة في اسرائيل، وستكون هذه من اشق معاركه لانها طريقه لوضع اول دستور لدولة اسرائيل.

وسيكون من الجهة الأخرى بامكان الرئيس ياسر عرفات ان يبدي مرونة بشأن تفاصيل الحل وتاريخ اعلان الدولة لتسهيل توقيع اتفاق سلام.

الامور كلها تستند الى الموقف الاميركي. فالرئيس كلينتون هو الذي يستطيع منع الحرب بصنع السلام.

وصنع السلام هو بتطبيق قرار مجلس الامن 242 وعودة القدس الشرقية للسيادة الفلسطينية.

اما البديل فهو العنف الذي لا يعرف احد نتائجه الوخيمة.

لكن المؤكد ان بداية العنف في الشرق الأوسط ستنتشر خارج حدود الشرق الأوسط.

واللهيب الذي سيرتفع من اندلاع العنف سيحرق الكثير وهو ما لا يريده الفلسطينيون ولا اعتقد ان احداً يريده.

فنرجو ان يساهم هبوط كلينتون الاضطراري في ابعاد العنف وفي صنع السلام.