قضايا تثير الجدل في مصر

TT

يدور في مصر جدل عنيف حول بعض القضايا التي أصبحت تشكل ظاهرة تهز الاستقرار، وتبعث على الغضب، وتدفع الى التساؤل عن الأسباب التي جعلتها تطفو فوق سطح المجتمع دون علاج جذري، وهذه القضايا ليست جديدة تماماً، ولكنها تنامت حتى كادت تتحول من الاستثناء الى القاعدة.

أول هذه القضايا هي هروب عدد من كبار رجال الأعمال بعد اقتراضهم من البنوك مئات الملايين من الجنيهات وعجزهم عن سدادها، وآخر الذين لاحقتهم شائعات الهروب رجل أعمال شاب أثيرت قضية هروبه منذ أسابيع ولكنه عاد الى القاهرة وأنكر نيته مغادرة مصر، الى ان تفجرت من جديد شائعة هروبه وهو حالياً خارج مصر ومازال مصراً على إنكار فكرة الهروب دون أن يكون اسمه ضمن قائمة الممنوعين من السفر رغم الأخبار التي تلاحقت عنه ونشرتها بعض الصحف.

ورجل الأعمال هذا سبقه عدد كبير من رجال الأعمال الذين كانت لهم في المجتمع اسماء لامعة، والذين تصل مديونيتهم للبنوك الى مليارات الجنيهات.

وهروب رجل أعمال غاب ضميره الوطني ووازعه الأخلاقي وحسه الانساني قد يعتبر أمراً فردياً لا يجوز التعليق عليه، أو جعله مثلا يسيء الى شريحة رجال الأعمال التي نبتت مع الاتجاه الى اقامة نطام السوق الحرة، وخصخصة ممتلكات الدولة. ولكن ان يتزايد عدد الهاربين، وتتصاعد أرقام المبالغ التي سرقت من أموال المواطنين التي أودعت في البنوك، ولا تتخذ خطوات جادة حاسمة لوقف هذا النزيف الذي يهدد الاقتصاد القومي، فإن الأمر عندئذ لا يكون عملا فردياً يرتكبه عدد محدود من رجال الأعمال اللصوص، ولكنه يصبح ظاهرة تهدد الأمن والاستقرار لانها تصل الى حياة الملايين من بسطاء المواطنين الذين ترهق تكاليف الحياة كاهلهم وتدفع بهم الى فقدان الثقة في الاصلاح وارتكاب أعمال خارجة على القانون.

القضية أصبحت تحتاج الى علاج جذري حاسم يقتضي المصارحة والشفافية لمعرفة اسماء المقترضين ومتابعة نشاطهم وقدرتهم على السداد ومحاسبة الذين قدموا إليهم الأموال دون أن تكون هناك ضمانات كافية، والمحاكمة الوحيدة التي تمت منذ أسابيع لعدد من نواب مجلس الشعب ودفعت بهم خلف قضبان السجون بعد سنوات من ارتكاب الجريمة كانت ذات تأثير إيجابي في أن مطاردة هؤلاء اللصوص لن تتوقف، وأنها سوف تدفع الى قفص الاتهام باعداد كثيرة من الذين يتناول الناس سيرتهم وأخبارهم في الصحافة والمجتمعات الخاصة.

ولكن المؤسف ان قائمة لم تعلن بعد بأسماء المقترضين والمبالغ التي اقترضوها بدعوى تأثير ذلك على الاستثمار وسرية العمل في البنوك، وهو أمر يثير كثيراً من الجدل حول الموازنة بين أخطار الاعلان وما يصحبه من تأثير، وأخطار السرية وما يصحبها من مفاجآت وانفجارات تسحب الثقة من المسؤولين.

وأخيراً، يثور جدل بين رجال الأعمال أنفسهم حول الأسلوب الذي يجنح به بعضهم الى الانحراف والهرب بعد الاقتراض من البنوك، ومن المؤسف انهم في أحد اجتماعاتهم التي تمت لمجلس ادارة مستثمري 6 اكتوبر لم يتم الاتفاق على توجيه نداء عاجل الى الذين هربوا للخارج بأموال البنوك يدين تصرفاتهم حتى لا يصبحوا وصمة في وجه طبقة رجال الأعمال، وإنما كان الاتجاه العام يجنح نحو تقديم تبريرات تدين البنوك والصحافة وأجهزة الاعلام وتطالب بتخفيض أو إلغاء الضرائب دون تقديم أسلوب ينقذ مصر من هذا الوباء! والواقع انه طالما تتجه الدولة الى تطبيق نظام السوق الحرة فإنها يجب أن تحطم أسوار السرية وتجعل الشفافية والمصارحة وإظهار الحقيقة هي الأسس التي يبنى عليها المجتمع، حتى لا تكون هناك فرصة لعقد صفقات أو اتفاقيات مفيدة لمصلحة بعض الأفراد، وفي نفس الوقت ضارة بجماهير الشعب.

وتأتي بعد ذلك قضية أخرى ترتبط ولاشك بقضية القروض، وهي نقص السيولة وعدم سداد الحكومة لديونها على بعض الشركات مما يؤدي الى الركود في الأسواق والعجز عن تطوير الصناعات، وتثار كثير من علامات الاستفهام والتعجب حول امكانية وصول نقص السيولة الى الحكومة التي لم تتوقف عن بيع كل ما تملكه ويملكه القطاع العام دون خطة مدروسة ومعلنة، وقد حصلت الحكومة على مليارات الجنيهات التي لم تعلن على الرأي العام ولم يعرف الشعب شيئاً عن حصيلة البيع أو مصير هذه الأموال.

وتتضارب تصريحات المسؤولين حول ما اذا كان هناك نقص حقيقي في السيولة، وما هي الأسباب التي أدت إليه، وما هي الوسائل التي سوف تبذل للتغلب عليها، الأمر الذي يدخل المواطنين في دوامة من الحيرة.

هذه القضية أيضاً مازالت مغلقة بالسرية بعيدة عن المصارحة والشفافية مما يدفع الناس الى الجدل والتساؤل عن قدرة الحكومة على مواجهة الموقف، وعلاج هذه الظاهرة التي ليست لها في مصر سابقة على مدى تاريخها المعاصر.

ان تسليط الضوء على قضية القروض غير المدفوعة من البنوك، والمطالبة بمطاردة الهاربين خارج البلاد، أو المتهربين من دفع الضرائب التي هي حق الشعب والدولة لا تؤدي في مضمونها الى وقف التنمية كما يحاول البعض تصوير الأمر، وإنما تدفع الى تثبيت الأمور على أسس صالحة لا تمزقها ثغرات الانحراف والفساد.

وليس هناك من سبيل لتحقيق ذلك إلا عن طريق المصارحة والشفافية وكشف كافة الحقائق للجماهير صاحبة الحق الأول في معرفة ما يدور داخل المجتمع.

ولذا يعتبر الجدل الدائر في مصر حول هذه القضايا جدلاً صحياً لأنه يستهدف مصلحة النظام واستقرار المجتمع وتنمية وتقدم الشعب.