العلويون.. «شجاعة اليأس» إلى شجاعة القرار؟

TT

العلويون السوريون جزء أصيل من شرائح الشعب السوري، وقفوا إلى جانب شعبهم في القرن الماضي، وحملوا مع القوى الوطنية لواء «العروبة». غير أن الحرص على البقاء في السلطة تحول إلى نقمة شعبية واسعة، قادت إلى تحالف حكومي مفتوح مع نظام «الولي الفقيه» الإيراني عموما، وقائده «الثوري» علي خامنئي تحديدا، الذي بنى تراثه في إطالة أمد حرب السنوات الثماني، وصاحب قرار التصعيد مع الخليج. ولو كان التحالف تكتيكيا لأمكن النظر إليه من زاوية تقدير الظروف الصعبة.

لقد استعرت توصيف «شجاعة اليأس» مما قاله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن أسباب تماسك النظام في سوريا، وهو وصف يتطابق مع الواقع الذي يعيشه علويو السلطة في سوريا. ويتوقف تقييم الحالة على ظرف اليأس، فالقتال بشجاعة اليأس نتيجة ظروف قاسية أمام عدو ظالم يسجل إيجابا، أما شجاعة اليأس أمام أبناء أهل البلد، فتدل على عناد لا مبرر له. وينظر قسم من القوميين العرب إلى الثورة السورية نظرة انحيازية ظالمة بوصفهم لها بأنها عمل حفنة من الغوغاء والتكفيريين، ركبت موجتها دولة صغيرة تمتلك المال والقرار، لتدمير آخر «قلاع العروبة». ولا شك في أن لسوريا فضلا على العراقيين في ظروف صعبة، رغم وقوف الحكومة إلى جانب إيران طيلة حرب السنوات الثماني، مع وجود مواقف أخرى تدل على حنكة في زمن الأسد الأب مقارنة بسياسة الابن. إلا أن الوقوف إلى جانب الشعب المطالب بحريته يعتبر واجبا مقدسا.

في العراق، حدثت انتفاضة بعد حرب الخليج الثانية، جرى التخطيط والتحضير المسبق لها من قبل إيران وسوريا والكرد وقوى سياسية شيعية، وكان العتاد الخفيف، الذي لم يتبق منه في مخازن الجيش العراقي كلها إلا 270 ألف طلقة كلاشنيكوف، يتدفق على المنتفضين من مصانع الجيش السوري. وتمكنت بغداد من إعادة السيطرة على الموقف خلال بضعة أسابيع، في ظروف انهيار عسكري في حرب أممية مدمرة. بينما بدأت الثورة السورية عفوية وسلمية، فواجه المتظاهرون بصدور مكشوفة، نار نظام يمتلك جيشا كبيرا وأجهزة أمنية منتشرة في كل مكان من سوريا، ويفرض سيطرة أمنية مطلقة، ولديه خبرة لا مثيل لها عن التكفيريين والمتطرفين. فهل يعقل أن تنسب الثورة إلى تدخل خارجي، خصوصا من أطراف كانت صديقة للرئيس بشار وحزب الله؟

لا يمكن تجاهل تعبئة النظام لعشرات الآلاف في ساحة الأمويين تأييدا له، غير أنهم اختفوا بعد ذلك اليوم، لأن نسبة كبيرة منهم استقدمت من المدارس ودوائر الدولة، وثارت موجات غضب النظام نتيجة تحول التعبئة لصالح الثورة، فلجأ إلى القمع. وبسبب قمع المتظاهرين، اكتسبت المعارضة مشروعية حق الدفاع عن الشعب، وتطور الهدف الشعبي من المطالبة بالديمقراطية، إلى الاحتجاج على «التحالف الأصفر» بين حكم علويي السلطة وحزب الله اللبناني والولي الفقيه. وهو توجه أحرج العروبيين من المتمسكين بالدفاع عن حكم كانوا يرون فيه قائدا للمقاومة.

وحصلت الثورة السورية على تأييد دولي وإقليمي وعربي وشعبي كبير، بمعزل عن وجود مجموعات صغيرة من المتطرفين التكفيريين، استغلت الظروف الصعبة، وتصرفت بشكل مدان، ولا يمكن لها قيادة سوريا تحت أي ظرف. ونشط الإعلام المعادي للثورة في تصوير هذه المجموعات كأنها الكفة المسيطرة والسائدة، تجاهلا لحقيقة أن عشرات الآلاف من الضباط والجنود قد تمردوا والتحقوا بـ«الجيش الحر»، ومعظمهم من الليبراليين. ولو تم تجهيز المعارضة بالسلاح لتمكنت من منع التطرف بكل أشكاله. ولا نعرف على ماذا استند الرئيس باراك أوباما في مخالفته لما قيل عن تأييد المخابرات والجيش لفكرة تسليح المعارضة، وهما الجهتان الرئيسيتان المفترض التعويل على آرائهما الأمنية!

كان في وسع الرئيس بشار الخضوع لإرادة الشعب كما فعل ثلاثة رؤساء عرب من قبله، وأن يعيش في سوريا، هو و«من تورط في حرب حماه بداية ثمانينات القرن الماضي»، بعيدا عن التمسك بفرض حكم شريحة من العلويين على الأمة السورية، وكان على فريق الحكم أن يفهم وجود إرادة شعبية جامحة لفصم التحالف السوري - الإيراني. ولا تزال أمام الرئيس وعلويي السلطة فرصة تاريخية للانتقال من شجاعة اليأس إلى شجاعة القرار، بقبول حوار جدي في شمال سوريا، والتواضع وترك الحكم من أجل سوريا.