كابل في الموسم

TT

بعد عام سوف ينسحب الأميركيون من كابل. دخلوها وفيها مليونا بشري والآن فيها أربعة ملايين، جاءوا من الجبال والأرياف وأقاموا في أي مكان وبنوا البيوت والعمارات كيفما اتفق، بمجرد توافر الرشوة. وأسعار البناء في العاصمة الأفغانية تكاد تكون قريبة من أسعار إسطنبول أو ضواحي بيروت، فيما لا يتجاوز دخل الفرد 526 دولارا. طبعا، في السنة.

لم تبق قوة دولية لم تجرب حظها في بلاد الأفغان، وكان حظها سيئا على الدوام. البريطانيون جربوا وفشلوا. والفرنسيون جسوا النبض وأسرعوا في الجري. والسوفيات دخلوها وهم إحدى أهم قوتين في العالم، نعم دخلتها القوة الأخرى. والنتيجة واحدة. وقد يفيق العالم على أفغانستان أكثر خطرا عندما لا يعود في إمكان الدولة تأمين 6 مليارات لإعداد الشرطة والأمن الذين حشدهم ودربهم الأميركيون في سبيل إقامة أفغانستان جديدة وآمنة، أو بالأحرى مأمونة.

لكن الـ88.5 مليار دولار التي صرفت على «إعادة الهيكلة» بين 2002 و2012 لم تغير شيئا في موقع البلد ومرتبته: أنه المصدر الأكبر للمخدرات في العالم. وعندما تجف المساعدات الخارجية سوف يصبح نحو 70 ألف حارس خاص بلا عمل. أي جيش هائل من المسلحين الإضافيين يبحثون عن رواتب وأجور (هاربرز).

نشأ في كابل خلال عقد شيء يمكن تسميته «اقتصاد الاحتلال». حركة واسعة من التجارات والمصالح القائمة على التعامل مع القوى الأطلسية. وهذا الاقتصاد سوف ينهار بعد الانسحاب ليعود من جديد الاقتصاد الحقيقي. ولم يكن هناك في أي وقت اقتصاد حقيقي. الصناعات البسيطة غير قادرة على منافسة الصينيين والاتجاه إلى الزراعة لا يزال محدودا، إلا طبعا من زراعة الأفيون، فلا حدود لها. وتبحث الشركات الهندية والصينية عن ثروات معدنية محتملة، لكن هذا بدوره أمر يتطلب وقتا طويلا.

لا تزال كابل مدينة من دون مياه شفة ومجاريها مفتوحة. أفزعني هذا المشهد في جاكرتا عام 1994. وأفزعني أكثر مشهد الحفل الذي أقامه سوهارتو وزوجته وبرز فيه الجمال الإندونيسي، لكي يغطي أمام ضيوف عدم الانحياز، كآبة المنظر في العاصمة. لكن هذا المشهد المعل للصحة والنفس لم يعد قائما في جاكرتا. هذه دولة انصرفت، منذ سقوط سوهارتو، إلى الإنتاج والعمل ومنافسة الدول. خلال فترة غير بعيدة قد نقرأ عن إندونيسيا ما نقرأه عن الهند وماليزيا. وسوف تظل أخبار أفغانستان بلا تغيير يستحق الذكر، سوى أن محتلا آخر قد جمع حقائبه ومضى.

وسوف تعود الأشياء إلى «طبيعتها»: حروب متنقلة وقوافل تنقل آلاف الأطنان من المخدرات إلى أنحاء الأرض، مرورا بإيران وباكستان، الأكثر تضررا من المواسم الزراعية عند الجارة الخصبة.