الواقعية التاريخية في طرح البدائل

TT

في المؤتمر الأول لمجلس العلاقات العربية والدولية، بحضور نخبة ساسة ودبلوماسيين، برزت كلمتان مهمتان بالنسبة للتوقيت والقضيتين المعنيتين، خاصة مع المكانة الدولية لصاحبي الاقتراحين بخبرتيهما في العمل السياسي.

الأولى بشأن التهديد الإيراني للجانب العربي من الخليج؛ والثانية بدائل لمفاوضات حل الدولتين المتعثرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

في جلسة أدارها رئيس المجلس، السياسي المخضرم محمد جاسم الصقر (رغم معارضته علنا لتعديل أمير الكويت الشيخ صباح السالم، لقانون الانتخابات، قبل الأخير رعاية مؤتمر يومي الاثنين والثلاثاء وتوفير كافة التسهيلات والإمكانيات له)؛ قدم الأمير تركي الفيصل، اقتراحا بانضمام طرف عربي، كمجلس التعاون الخليجي، إلى مفاوضات البرنامج النووي الإيراني لتصبح «مفاوضات الـ5+1 (الجانب العربي)...».

مع عدم وضوح نوايا الإيرانيين ومراوغتهم في المفاوضات ترجح الاحتمالات بأن سلاح طهران النووي سيكون لابتزاز الجانب العربي في الخليج وفرض أجندة الإسلام السياسي الثوري؛ لأن توجيه السلاح لإسرائيل أو لقوة عظمى يعني انتحارا لإيران، وسيكون رد الفعل الطبيعي حصول الجانب العربي على سلاح لمعادلة التهديد الإيراني.

هنا يضع الأمير تركي العالم أمام مسؤوليته بإشراك العرب، كطرف متأثر مباشرة من برنامج إيران، في المفاوضات. خطوة أكثر واقعية من اقتراحات ضم إيران (كطرف خارج النسق الاقتصادي والتاريخي والثقافي لبلدان التعاون) إلى ما يسمى «منظومة الأمن الخليجي».

دعم حركات تمرد راديكالية إسلاموية تهدد استقرار بلدان التعاون مكون أساسي من آيديولوجية الجمهورية الإسلامية المستمرة في احتلال ثلاث جزر إماراتية مما يبقي دعوة «منظومة الأمن الخليجي» نظرية أكاديمية خارج واقع السياق التاريخي.

في السياق التاريخي للمسألة الفلسطينية جاء اقتراحان من الدكتور عمرو موسى، أحد أعمدة جبهة الإنقاذ الوطنية المصرية والسكرتير العام السابق للجامعة العربية. دبلوماسي مخضرم شارك فعليا في مفاوضات كثيرة عالمية وإقليمية منذ عمل مع المرحوم محمود رياض وزير الخارجية المصري الأسبق، ووزير خارجية بريطانيا الراحل اللورد كارادون في صياغة وإنجاح القرار 242 عام 1967. الركيزة الأساسية لانطلاق أي عملية سلام في الشرق الأوسط، لتأسيسه قاعدة قانونية تاريخية بعدم شرعية ضم الأرض بالقوة.

ومع حضور وزراء خارجية سابقين في المؤتمر (كالدكتور محمد صباح السالم من الكويت والروسي إيغور إيفانوف مثلا) فالدكتور موسى ربما امتلك الخبرة الأطول في الانغماس في مفاوضات التسوية على المستويات الثنائية والإقليمية والدولية؛ وبحكم مناصبه السابقة كوزير خارجية وسكرتير عام للجامعة العربية له اتصالات وثيقة مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بجانب استمرار علاقاته بالأعضاء الـ5 الدائمين في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي.

الدكتور موسى قلق من تعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لتصبح بديلا عن، لا سبيلا إلى، تسوية حل الدولتين كقضبان قطار يسير أحيانا ويتوقف غالبا قبل محطة الوصول.

اقترح الدبلوماسي المخضرم أن يكون للفلسطينيين بدائل أخرى مع ظهور ملامح اللاواقعية على حل الدولتين.

وكان مصطفى البرغوثي، وزير إعلام السلطة الفلسطينية السابق، عرض للمؤتمرين خرائط للمناطق الفلسطينية كجزر منفصلة وسط بحر المستوطنات الإسرائيلية تجعل استمرارية الدولة الفلسطينية جغرافيا أمرا غير واقعي.

يقترح الدكتور موسى بديلا هو حل الدولة الواحدة وليس الدولتين. أي دولة مواطنة غير دينية أو عرقية بل ديمقراطية علمانية يتساوى فيها جميع المواطنين تعلن بقرار من مجلس الأمن.

قد يتذكر البعض حملة الكولونيل القذافي لدولة «إسراطين» (إسرا - ئيل ؛ وفلس - طين) ضمن سيل من مهرجانات طريفة أهدر فيها الكولونيل الراحل ثروات الأمة الليبية على ما اعتبرناه، صحافيا، مصدرا للتسلية ومداعبة مزاج المستهلك الإعلامي؛ لكن صدور الفكرة عن رجل سياسة ودبلوماسية في مكانة الدكتور عمرو موسى، يسمع رنينه خارج قاعة مؤتمر مجلس العلاقات العربية والدولية الكويتي، خاصة لدى القوى الكبرى (فموسى يدعو لتبني مجلس الأمن حل الدولة الواحدة بقرار ملزم) والأهم لدى طرفي المشكلة، الفلسطينيين والإسرائيليين.

نصح الدكتور موسى الفلسطينيين أن الخلاف الفلسطيني والاستقطاب بين حماس والسلطة الوطنية لعب دوره في تعثر المفاوضات (خطأ توجيه اللوم للإسرائيليين وحدهم فكل مرة تتقاتل حماس مع إسرائيل تتجمد المفاوضات، ويظهر الجديد من المستوطنات). عندما تدور المناقشات علنا، وفي خزانات التفكير وأعمدة الصحف عن الدولة الواحدة كبديل عن فشل مفاوضات الدولتين، ربما يتخذ الفلسطينيون الخطوات العملية للاتفاق وضرورة تمثيل السلطة الوطنية الشرعية لكل الفلسطينيين.

الإسرائيليون، خاصة اليمين الليكودي والتيارات التي تتمسك باليهودية كهوية للمجتمع وكثقافة سياسية، ستفكر في البديل وهو اندماج كل (والتشديد على كل) الفلسطينيين كمواطنين بالحقوق نفسها الممنوحة لليهود في الدولة الواحدة. الهاجس الديموغرافي تعتبره هذه التيارات تهديدا لاستمرار الدولة اليهودية أكثر من الحرب أو من تهديد صواريخ حماس أو حزب الله.

الجدل داخل الدوائر الإسرائيلية السياسية سيطرح الثمن الذي قد تدفعه هذه التيارات القومية المتشددة في المستقبل. فحركة الاستيطان تؤدي إلى تشدد بين اليمين الإسرائيلي وغضب ومقاومة (بكافة أشكالها) بين الفلسطينيين، فعرقلة للمفاوضات، فمزيد من المستوطنات وتناقص مساحة ما يمكن أن يصبح دولة فلسطينية. ومع كل تراجع لحل الدولتين يتحرك شبح الدولة الواحدة نحو الواجهة، واحتمال حقيقي في الإخلال بالميزان الديموغرافي بعيدا عما تتصوره تيارات اليمين الإسرائيلي دولة يهودية.

البديل الثاني الذي طرحه الدكتور موسى هو قرار من مجلس الأمن (تحت الفصل السابع الملزم) لتحديد خريطة الدولة الفلسطينية المستقلة (في حل الدولتين) وفق حدود القرار 242 وقرار الجمعية العمومية العامة رقم 194 لعام 1948 (مفوضية الصلح للتسوية بين العرب وإسرائيل وحق العودة للاجئين)، لإطلاق عملية التسوية النهائية على أساس القرارين، وللتعامل مع التفاصيل العملية لتطبيق القرارين من أجل تحديد جدول زمني معلن لتطبيق التسوية.

ما يطرحه الدكتور موسى على الفلسطينيين أولا، ثم العرب فحركة السلام الإسرائيلية، والقوى العالمية، خاصة التي يتحمل دافع ضرائبها تكاليف مادية باهظة في شكل معونات للفلسطينيين، وللاجئين وللإسرائيليين، وتكاليف إعادة إعمار ما بعد الصراعات والحروب، أن يكون هناك بديل أو بدائل عما يطرح أو ما يدور حاليا.

فما يبدو كحل مطروح أو «القشة» التي تتعلق بها جميع الأطراف، وهو حل الدولتين سيظل محطة لا يصلها قطار المفاوضات أبدا، ولذا فالواقعية تتطلب وجود بدائل لتنوع الاختيار.

أحد أو كلا اقتراحي الدكتور موسى قد يلقى أو لا يلقى تقبل العالم والدول الكبرى المعنية في مجلس الأمن، وقد ترفضه إسرائيل، بينما يقبله العرب (الدكتور البرغوثي رحب بالاقتراحين)، وقد تستخدم إحدى الدول الكبرى الفيتو إذا وصل لمشروع قرار للتصويت، لكن الاقتراحين كبدائل سيثيران الجدل والعواصف الدماغية داخل المشهد السياسي الإسرائيلي على أقل التقديرات.

تابعوا الكاتب على توتير @AdelDarwish