مناخ القلم

TT

عندما أعلنت «الآداب» وقف طبعتها الورقية بعد عقود من الإضاءة في حركة الثقافة والشعر والأدب، لم يكن الأسى الحقيقي في غيابها، بل في أنه لن يصدر بديل عنها. من قبلها، أغلقت «آفاق» و«مواقف» و«الكرمل» ولم يفكر أحد في إصدار شيء يحل محلها. والسبب الأول ليس «الإنترنت» وتراجع العصر الطباعي، بل هو المناخ العربي العام، اللاهث خلف يوميات السياسة وعبث القتل والخراب، غير منتبه إلى الخسائر المسجلة في دفاتر الأدب والفكر.

منذ سنوات، تخلت «الآداب» عن منهجها الأدبي وانتقلت إلى تخوم السياسة والهم الاجتماعي والقومي. ومع ذلك، ظلت حاضرة كمطبوعة مفتوحة أمام الإبداع العربي، وبقي منها شيء من خيال الماضي، يوم كان هذا النوع من الدوريات، المكان الذي يطل منه الأدباء والشعراء الجدد. فقد كان النشر في «الآداب» وشقيقاتها شهادة للمؤلف بعضوية الأسرة الفكرية والأدبية.

لعل الحل الوحيد هو الحل الكويتي والمصري. أي أن تتولى الدولة نفسها ضمان استمرار الإصدارات التي لا حياة تجارية لها، كما في «عالم المعرفة»، مثلا. أو المجلات الفصلية التي تصدر في دبي والبحرين وعمان. لكنها جميعا لا تشكل حركة أدبية إبداعية كتلك التي دارت حول «الآداب» وقبلها «الرسالة» المصرية، أو «أبوللو» أو «شعر».

ولم تسع «وجهات نظر» منذ صدورها إلى أن تكون مجلة أدبية أو حتى ثقافية، بقدر ما أرادت أن تقدم للنخبة العربية «علم» الثقافة والأدب والسياسة والفن.

وحاولت في بداياتها أن تكون مسرحا عربيا شاملا، لكنها ما لبثت أن انحسرت إلى إطار الفكر المصري. ولم يكن ذلك بقرار منها، بقدر ما كان السبب الأساسي خمود التيارات والعطاءات الأدبية في العالم العربي، وطوت «وجهات نظر» الصيغة الممتازة التي صدرت بها «نيويورك ريفيو أوف بوكس» قبل نصف قرن. وتقوم هذه في الأساس على عرض الكتب البارزة ونقدها. لكن فيما تعكس المجلة الأميركية حركة نشر لا سابقة لها، اصطدمت «وجهات نظر» بالجفاف العربي المحاصر بفيضان العبث السياسي والنزوع إلى التخلف.

تزداد «نيويورك ريفيو» و«لندن ريفيو أوف بوكس» ازدهارا وانتشارا، وتجتذب كلتاهما أبرز وأهم كتّاب العالم. وتكاد بعض الأعداد تكون مهرجانا فكريا أو شلالا ثقافيا، فيما تبحث «وجهات نظر» عبثا عن قارئ عربي مسمر إلى ما سماه زياد إدريس «نشوة الأخبار».