إيران دولة «محافظة»!

TT

لطالما كان تفسير كلمة «محافظة» في القاموس السياسي والاجتماعي يعني أن الدولة الموصوفة بهذه الكلمة عادة متشددة وحذرة أمام أي محاولات للتسامح في خطابها الديني، وأمام أي محاولات للانفتاح الاجتماعي، وذلك للعيش السوي بين طبقات المجتمع بعضها مع بعض، وكذلك أيضا تكون حذرة جدا أمام أي محاولات للتقارب مع دول الجوار. وكان هذا الوصف دائما ما توصف به إيران، وخصوصا بعد قيام الثورة الخمينية فيها في عام 1979؛ فملامح الدولة المحافظة كانت واضحة وجلية في كل عناصرها، ولكن مع مرور الوقت بدأت السياسة الإيرانية تتحفنا بمعنى جديد ومغاير لفكرة الدولة المحافظة، وخصوصا في علاقاتها مع الدول العربية. فإيران كانت تعتبر أن منطقة شط العرب جزء من محافظة إيرانية، وأن العراق لا علاقة له بها، ودخلت في حرب طويلة مع نظام صدام حسين على ذلك الأمر انتهى بشكل كوميدي وحزين، بعد أن أوقف الخميني الحرب مع صدام، ووصف قبوله لأمر وقف إطلاق النار بين البلدين بأن ذلك أشبه بتجرع كأس من السم، في تعليق على حرب آن أوان إيقافها مع دموي وطاغية آخر اسمه صدام حسين.

وإيران نغمت وغنت ولحنت على موضوع الجزر الإماراتية التي قامت باحتلالها عسكريا وضمها إلى محافظة إيرانية أخرى، واعتبارها جزءا أساسيا من التراب الإيراني. وطبعا ما بين فترة وأخرى يظهر أحد أعضاء البرلمان الإيراني أو العسكريين أو أحد الإعلاميين و«يزل لسانه» ليقول إن البحرين هي محافظة إيرانية، ويجب أن تعود للتراب الإيراني، وإن إيران لن يهدأ لها بال حتى يتحقق ذلك، ثم يخرج أحد المسؤولين ولا يفكر فيما قال من قال، ولكن يوضح أنه لا يتحدث باسم الحكومة الإيرانية (أي أن مضمون ما قيل ليس محل اعتراض، ولكن التوضيح هو أن المتحدث لا يتحدث باسم إيران الحكومية!) وأخيرا خرج على العالم أحد رجال الدين في إيران، وقال إن سوريا محافظة إيرانية تفوق أهميتها الكثير من المحافظات الإيرانية نفسها، وإن الدفاع عنها مسألة حياة أو موت!! سبحان الله، رجل دين يتحدث عن الجغرافيا ويزوّر فيها، فلم تكن سوريا يوما جزءا من «التراب الإيراني»، بحسب ادعاء الرجل، وهو حتما ينظر للأمور من منظور طائفي بغيض سيساهم في منح رخص للقتل، ويؤجج فكرة التدخل الخارجي بشتى الطرق والوسائل، عبر مجاميع محسوبة على إيران وفيلق القدس فيها (وهي الميليشيات الحكومية الموجهة للعمليات الخاصة جدا)، وهي اليوم التي تدير الأمور العسكرية في سوريا، ويتبعها الجيش والفرق الخاصة بمساعدات واضحة من ميليشيا حزب الله اللبناني وفيلق البدر من العراق، وطبعا ميليشيات فيلق القدس الإيراني نفسه.

كل هذه التصريحات والزلات اللسانية التي تتبعها مغامرات عسكرية هي في الواقع «تحقيق» عملي لفكرة تصدير الثورة بشكل واقعي على أرض المعركة، وهي ترجمة لأفكار قيلت في السابق عبر قيادات دينية وسياسية مختلفة في إيران الثورة ويشهدها العالم العربي بأشكال متفاوتة. لم يعد من الممكن التعامل مع التصريحات الإيرانية التي تصدر طوال هذه السنوات على أنها مجرد زلة لسان أو أنها آراء شخصية، ولكن كما قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في اجتماعه مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في زيارته الأخيرة للقاهرة، التي استفز فيها مشاعر المصريين بشتى الطرق والأساليب عبر زيارات لمقامات آل البيت، لا تعترف بها إيران بالمناسبة، ولا أتباع المذهب الجعفري؛ فالمذهب الجعفري لا يقر بوجود رأس الحسين الشريف في مصر ولكن في دمشق، وكذلك لا يقر بوجود السيدة زينب في مصر ولكن في دمشق، فمن كان يزور أحمدي نجاد يا ترى؟! وهو يؤكد أن الغرض من زيارته للمواقع استفزازي وتسجيل مواقف، وهي المسألة التي فطن إليها شيخ الأزهر، وحذر إيران من التدخل في شؤون العالم العربي واللعب بمشاعر الناس تجاه دينهم ورموزه، ولكن يبدو أن أحمدي نجاد لم يفهم بعد مغزى الرسالة، وهو الذي يفسر التصريح الأخير من رجل دين إيراني محسوب عليه بوجوب الدفاع عن المحافظة الإيرانية: سوريا!

[email protected]