ليست هنة ولا هينة

TT

عندما يصحح لي القراء الكرام خطأ وقعت فيه، أتساءل هل ينطبق عليه ما قالته العرب: «هنات هينات»، كما حدث يوم الثلاثاء عندما أخطأت ما بين الكبيرين أحمد رجب وأحمد بهجت؟ أكتب باستمرار عن قسم «التحقق» في الصحف الأجنبية، ثم أجدني «أهن» هنة هينة.

وهي ليست كذلك. هي خطأ لا مبرر له ولا عذر عنه. ولا يكفي القول إننا بشر ومعرضون جميعا للخطأ. لو راجعت المقالة مرة واحدة لما هانت عليّ نفسي ولا هنت على الأحباء الذين قاموا فورا يكتبون، أو الزملاء الذين اتصلوا بي على توقيت فلوريدا، وهم يعتقدون أن الهاتف يرن في بيروت. يوم ارتكبت الخطأ، كنت أقرأ، ربما للمرة العاشرة، كتابا ابتدائيا للمتدرجين في الصحافة عنوانه «عن الكتابة الجيدة» لويليام زنسر، دفعني إلى شرائه أنه في طبعته الثلاثين. وهو مؤلَّف لا يصنع كتَّابا جيدين، لكنه دليل مهني يساهم في تدريب صحافيين مجتهدين، من نصائحه الأولى ليس فقط أن تعيد قراءة ما كتبت، بل إعادة كتابتها أيضا. وقد يخطئ الكاتب حتى لو أعاد قراءة وكتابة ما أنشأ، لكنه يكون آنذاك أقل ذنبا وأرضى ضميرا.

كلما وقعت في خطأ أشعر أنني أسيء إلى الذين تعلمت على أيديهم. كان سعيد فريحة يعيد كتابة السطر الواحد عدة مرات. وكان أحيانا يرمي المقال الذي انتهى منه ثم يعيد كتابته، أو كتابة غيره. وكان غسان تويني يرسل افتتاحية الاثنين، وفيها من التصحيحات والتعديلات أكثر مما في الأصل من سطور.

الإكثار ليس عذرا. والهنة ليست هينة إلا في اللعب على الكلام. وهي ضرورية في مسامحة الآخرين وليس في محاسبة الذات. كان مصطفى أمين، وهو أستاذ آخر في الكتابة الصحافية، يكتب زاويته بسرعة ويرسلها إلى الطبع. واعتقدت أن هذه هي المدرسة الأميركية السريعة. لكن تبين لي أن المدارس الصحافية الأميركية جميعها قائمة على الدقة وعلى «إعادة القراءة» و«إعادة الكتابة». وكذلك دور النشر، التي تعيد النظر في نصوص كبار وأشهر الكتاب.

أقرأ أحيانا في كتب طبعت قبل أكثر من مائة عام. أي قبل عقود من اختراع الطابعة التي تصحح تلقائيا الخطأ في صف الأحرف. ومع ذلك لا ترى فيها خطأ واحدا. والمطبوعات العربية الصادرة يوم كان العامل ينضد الأحرف بأصابعه، حرفا حرفا، تبهر في نقائها وخلوها من الأخطاء. وكانت في آخر كل كتاب لائحة في تصحيح أي خطأ مر! على المحرر، عنوانها «الخطأ والصواب». والأرجح أنني سوف أقع في أخطاء أخرى. ويسمى ذلك السهو. كأن تقرأ أمامك أحمد رجب ثم تكتبها أحمد بهجت. وتقرأ أمامك «أخبار اليوم» وأنت بالك «الأهرام». انتبه يا رجل إلى اللوحة المرفوعة على مداخل الصحف: «ممنوع الخطأ».