درس من المغرب لـ«الإخوان»

TT

«حزبنا لا ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، نحن من مدرستهم لكن ليست لنا علاقة تنظيمية معهم، عندنا تطورنا الخاص، وفكرنا الخاص، ومؤسساتنا الخاصة».

بهذه الجملة وضع عبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة المغربية الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، خطا فاصلا بين حزبه وحركة الإخوان المسلمين، مفضلا التأكيد على التمايز بين الحزب المغربي و«الإخوان» من حيث الفكر والتطور والعمل المؤسسي، لا سيما في هذا الوقت الذي تجري فيه مقارنات كثيرة بين حركات الإسلام السياسي في المنطقة التي وصل بعضها إلى السلطة على ظهر موجة الربيع العربي. والواقع أن ابن كيران يؤكد بتصريحه هذا على تمايز اختطه الحزب منذ نشأته الأولى التي لم يكن يعرف فيها باسمه الحالي، وهي نشأة تأثرت بظروف المغرب التاريخية وبطبيعة الإسلام فيه وظروف العمل السياسي التي أتاحت للدكتور عبد الكريم الخطيب الرئيس المؤسس للحزب المشاركة في عدة حكومات منذ الاستقلال وفي فترة حكم الملك محمد الخامس ثم إبان حكم الملك الحسن الثاني، وترؤس أول مجلس للنواب بعد انتخابات 1963.

أمر آخر تميز به حزب العدالة والتنمية المغربي منذ أيامه الأولى وهي تأكيده في كل مشاريعه على العمل في إطار الملكية الدستورية القائمة، والتزامه بالإسهام والعمل في إطار الديمقراطية بالمغرب، وهو أمر فيه رسالة لبعض الحركات الإسلامية، خصوصا تلك التي نحت نحو نهج التآمر والانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة. وقد أكد ابن كيران على مواصلة الحزب لنهجه هذا في التصريحات التي أدلى بها خلال لقائه مع عدد من ممثلي وسائل الإعلام العربية ونشرتها «الشرق الأوسط» يوم الأربعاء الماضي إذ أوضح أن «المغاربة لديهم وعي تاريخي أن الملكية تمثل استقرارهم، وتضمن وحدتهم».

ابن كيران قال كلاما مهما في ذلك اللقاء يستحق وقفة في وقت تبدي فيه غالبية حركات الإسلام السياسي، أو فلنقل الحركات التي تريد احتكار الإسلام وتوظيفه لأهدافها السياسية، تبدي تبرما من أجواء الديمقراطية وميلا نحو نهج الاستبداد. من أبرز ما قاله الرجل الذي أصبح رئيسا للوزراء بعد حصول حزبه على الأكثرية في انتخابات عام 2011: «لدينا قناعة جوهرية، هي أن الناس لم يصوتوا لصالحنا كحزب له مرجعية إسلامية لنطبق عليهم فهمنا الإسلامي، وإنما صوتوا لصالحنا لنحل مشاكلهم». وزاد في الشرح قائلا: «ليس همنا أسلمة المجتمع، فالمجتمع مسلم، وإنما هناك اختلالات اقتصادية واجتماعية نحاول معالجتها لا سيما أن المغاربة صوتوا لنا لحلها». فهو هنا يوضح فهما بدا غائبا عن كثير من الحركات التي ترفع شعارات إسلامية وتعمل للوصول إلى السلطة السياسية، وهو أن الناس عندما يصوتون لحزب ما، حتى وإن كانت شعاراته إسلامية، فإنما يفعلون ذلك لكي يعالج في المقام الأول مشاكلهم ومشاغلهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويصون حقوقهم، ويحفظ أمنهم، لا لكي يتعدى على خصوصياتهم وحقوقهم، ويفرض عليهم نهجه وفهمه ورؤيته الإسلامية التي قد يختلف معها كثيرون من المسلمين أيضا، لأن هذا الحزب أو هذه الحركات مجتمعة أو منفردة، لا تحتكر الإسلام وإن حاولت تصوير الأمر كذلك.

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ربما استشعارا منه للجدل الواسع في عدد من الدول العربية والإسلامية، زاد في شرحه لرؤية حزبه لا سيما من واقع تجربته في الحكومة فقال: «نحن لم نأت لنقول للرجال التحوا، وللنساء تحجبن، فالبشرية لن تتراجع إلى الوراء، ومنطق التدخل في حياة الناس لا نؤمن به، ولا نعتقد أنه إسلامي». إضافة إلى ذلك فإنه أوضح ما اكتشفه قبله آخرون واعترفوا به علنا ومنهم على سبيل المثال قادة حركة حماس في غزة، وهو أن المرء عندما يصل إلى السلطة التي يلهث وراءها يجد واقعا مختلفا صعبا مقارنة مع المعارضة التي يستطيع فيها الإنسان التنظير والانتقاد واعتبار كل ما يقدم عليه الآخرون خطأ أو خطيئة، وتصوير نفسه أمام الناس وكأنه يمتلك كل الحلول لمشاكلهم. وقد وصف ابن كيران واقع مشاكل الحكم «بالعنيد»، بينما وصفه قبله خالد مشعل رئيس المكتب السياسي «المستقيل» لحركة حماس بأنه «أعقد» مما كانوا يتصورون، ذلك أن المرء عليه أن يجد حلولا عملية لا نظرية للمشاكل الحياتية، وأن يعالج مشاغل الناس وهمومهم لا أن يبيعهم شعارات وخطبا جوفاء.

هذا الأمر اكتشفه إخوان مصر الذين وصلوا إلى السلطة بوعود براقة وشعارات رنانة وبرنامج «للنهضة»، لكنهم سرعان ما وجدوا أنفسهم أمام ثقل مشاكل أكبر بلد عربي من حيث التعداد السكاني، وفي مواجهة التوقعات العالية بعد الثورة بإنجازات سريعة وحل لكل القضايا المتراكمة. المشكلة أن «الإخوان» بدلا من أن يظهروا شيئا من التواضع أمام المسؤولية، كشفوا عن نزعة واضحة للانفراد بالسلطة، ولفرض نهجهم ورؤيتهم على الآخرين، وبسط نفوذهم على كل مناحي الحياة والسلطة بما في ذلك التغول على القضاء ومحاولة إخضاعه قبل التفرغ لمعركة أخرى قادمة لا محالة لتكميم الإعلام. قد يقول قائل إن «الإخوان» اضطروا لذلك بسبب الحملات المستمرة ضدهم، والاحتجاجات التي لم تتوقف منذ الثورة، لكن الواقع أنهم بتصرفاتهم أسهموا في حالة الاحتقان وفي تأجيج الأجواء، وفقدوا الكثير من التعاطف الذي أعطاهم أصواتا أوصلتهم إلى الحكم.

«إخوان مصر» يتصرفون في الواقع وكأنهم لا يؤمنون بمفهوم التداول السلمي الديمقراطي على الحكم، بل يرون وضعهم الحالي وكأنه فرصة لفرض هيمنة على السلطة التي سعوا إليها طويلا وخططوا للوصول إليها بالتآمر والانقلابات في عهود سابقة، مثلما فعل إخوانهم في السودان الذين قدموا أسوأ نموذج عندما تآمروا وذبحوا الديمقراطية لتأسيس نظام استبدادي. هؤلاء يمكنهم، لو ألهمهم الله شيئا من الحكمة والتبصر، الاستفادة من نموذج إخوانهم في المغرب، والتأمل في كلام ابن كيران عن أن حزبهم لو نجح في مهامه الحكومية فسوف يقولون تبارك الله، وإذا لم ينجح فإنه ليس الحزب الوحيد الموجود في الساحة. يا لها من رسالة، حتى وإن بدت في نظر البعض بديهية.

[email protected]