تدمير البشر والحجر

TT

الوطن.. الأرض.. التاريخ.. الجذور.. الهوية.. هل من السهل نسيانها أو حتى التنازل عنها؟! هل يعقل أن يجتث شعب من أرضه ووطنه وجذوره؟! وهل يعقل أن يجرد شعب من هويته؟ إن الكارثة الفلسطينية - ولا أقول القضية - أصبحت وصمة عار على جبين الإنسانية في عصرنا الحديث. جميعنا أصبح يرى الكوارث الإنسانية في فلسطين المحتلة تحدث كل يوم، سواء كان هذا قتلا للبشر أو هدما للآثار الإسلامية أو المسيحية في القدس. وأصبحنا نرى ونعرف ولا نحرك ساكنا؛ وكأن إسرائيل قد ألقت على العالم كله قنبلة مخدر؛ لتعيث هي في الأرض فسادا ولا صوت يعلو فوق صوت آلة الدمار.

علينا أن نذكر أن القدس مدينة مسجلة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو منذ عام 1981 ويعني ذلك وبوضوح أن آثار القدس لا تخص الفلسطينيين وحدهم بل هي تراث يهم الإنسانية كلها وعليها الحفاظ عليه من أي ما يهدده؛ ومن ذلك حظر ومنع أي محاولة لتغيير معالم المدينة التاريخية والأثرية. ويشمل الحظر أيضا أي اعتداء على آثار الحرم المقدسي سواء من الداخل أو الخارج؛ ورغم ذلك فآلة الهدم والتدمير الإسرائيلية تعمل ليل نهار على تهويد القدس وطمس المعالم العربية سواء إسلامية أو مسيحية. هناك حفائر إسرائيلية في كل مكان بالمدينة القديمة ليس من بين أهدافها كشف تاريخ وآثار بيت المقدس وإنما هدفها إثبات الوجود الصهيوني ومحو التاريخ الفلسطيني من جذوره. وليعلم الناس في كل مكان أن أي أعمال حفائر حتى لو كان من يقوم بها علماء آثار لا يعترف بها أو بنتائجها طالما تمت في أرض محتلة وبرعاية المحتل نفسه، والحفائر التي قامت بها بعثات إسرائيلية في سيناء قبل تحريرها خير مثال على ذلك.

ليس غريبا على إسرائيل التي ولدت على أساس مرجعية عنصرية أن تغتال البشر والحجر في فلسطين، فهذا ما نعرفه عنها دوما وهي للحق لم تخيب ظننا بها يوما، ولكن الغريب هو موقف منظمة اليونيسكو تجاه ما يحدث في القدس! فالطبيعي أن توجه المنظمة رسالة تحذير إلى إسرائيل فور بدأ الأخيرة في أعمال الحفر والهدم بالقدس والتي حدثت منذ سنوات، ولكن المنظمة لم تفعل! بعدها كنت أتوقع أن تقوم اليونيسكو برفع المدينة من قائمة التراث العالمي والذي لن يضير القدس في شيء، ولكن سيفضح دولة الاحتلال ويعطي للفلسطينيين دليلا دامغا على عمليات التهويد القبيحة للقدس. ولكن من الواضح أن المنظمة العالمية أصبحت تلعب سياسة أكثر من أي شيء آخر بما في ذلك حماية التراث الإنساني المادي والفكري.

لقد دعوت من قبل رؤساء الآثار في الدول العربية، والتقينا بالجامعة العربية، وقدمنا ورقة عمل موثقة لمخاطر الحفائر الإسرائيلية غير الشرعية أسفل المسجد الأقصى، وكان المطلب هو الوقف الفوري لهذه الأعمال. واستطعنا أن نجبر اليونيسكو على التحرك وإرسال مراقبين لتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية بالقدس، ولكن لم نسمع بعدها عن أي إجراء عملي لوقف الحفائر. ولا يزال الدكتور ناجح بكيرات مدير المسجد الأقصى يطلب العون والمساعدة من كل عاشق للقدس وتاريخه وآثاره. إنها دعوة لكل إنسان له دائرة من المعارف أو الأصدقاء أن يجمعهم ويضمهم إلى رابطة عالمية نحاول أن ننشئها يكون اسمها هو هدفها ومطلبها الوحيد – الدفاع عن القدس.