حل تقني لمشكلة قديمة

TT

ما إن أعلن عن انضمام السيدات السعوديات إلى مجلس الشورى في لحظة تاريخية وبقرار مهم من عمر البلاد السياسي، إلا وعاد الموضوع القديم المتجدد على الساحة بصيغة متجددة.

متى ستقود المرأة السعودية بنفسها السيارة؟ وتمعنت طويلا في هذا السؤال، وتذكرت التطورات التقنية المهمة وشبه المذهلة التي تحصل الآن على صعيد صناعة السيارات، ومدى توغل الإلكترونيات فيها، وتحديدا استرجعت ما تنوي القيام به شركة عملاقة في مجال التقنية الحديثة، مثل «غوغل» وغيرها، في مجال صناعة السيارات، نعم صناعة السيارات، فـ«غوغل» تنوي تقديم سيارات تقود نفسها بنفسها دون الحاجة إلى سائق، اعتمادا على أنظمة متطورة من الملاحة الإلكترونية المدعمة بأجهزة بالغة الحساسية والتعقيد لمراقبة السيارات الأخرى، ومصاحبة بأجهزة فرامل حديثة، وبالتالي طبعا ستتغير أنظمة المرور؛ لأنه بدأت تجربتها بالفعل في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وسيلحقها من بعد ذلك نماذج تحت الدراسة من قبل شركات منافسة مثل «أبل» و«سوني».

وهذا «الاختراع» حتما سيأتي إلى العالم والعالم الثالث والعالم العربي، وطبعا ستكون السعودية أيضا إحدى الدول المستهدفة والمقصودة بذلك، وهو بالتالي يطرح سؤالا جدليا وافتراضيا إذا كانت التقنية تسمح بإزالة «شبهة الخلوة» مع السائق الأجنبي الغريب، وتزيل «حرج» قيادة المرأة فعليا، فهل الاختراع الجديد سيتيح للمجتمع (باعتبار أن الموضوع المتعلق بقيادة المرأة للسيارة هو مسألة اجتماعية بحتة بحسب الإفادات والتصريحات الرائجة للمسؤولين السعوديين في هذا المجال) أن يقوم بالإدلاء بدلوه في هذا المجال بشكل مغاير، مما قد يعني فعليا أن السعودية ستسمح للمرأة بركوب السيارة، وأن تقاد بها السيارة وتقودها هي دون سائق ومن دون أن تقودها فعليا؟ (مسألة محيرة وصعب شرحها كتابة بكل تأكيد).

ولكن ذلك يذكرني بسوريا التي كان النظام يمنع استخدام جهاز الفاكس باعتباره تهديدا لسرية المعلومات والأمن، وانتقل المواطن من جهاز التلكس إلى جهاز البريد الإلكتروني دون المرور بتقنية الفاكس. واليوم قد تكون التقنية الجديدة الجاري اعتمادها في مختبرات كاليفورنيا حلا مهما لمعضلة قيادة المرأة للسيارة في السعودية، وهي المسألة التي لم يعد من الممكن تقديم أي نوع من الإجابات لتبرير منعها، لا دينيا ولا اجتماعيا، وخصوصا في ظل الحديث عن تكدس العمالة الأجنبية في البلاد، وأن جزءا مهما من هذه العمالة هم سائقو السيارات المنزلية الذين حتما سيضطر الكثيرون منهم لترك العمل والبلاد، ولأن سيدات المنازل سيقومن بقيادة سياراتهن بأنفسهن، أو في حال انتظار التقنية الحديثة أن تقودهن السيارات بنفسها.

هناك مجال كبير للحديث عن فرص المرأة وتطور وتحسين وضعها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في مجالات العمل والتعليم والسياسة والاقتصاد، حصلت المرأة على فرص جديدة لم تكن واردة أبدا، ولكن دوما ما يبقى هذا السؤال الذي أعتقد أن اليوم بات في السعودية ساسة ومجتمعا لهم القدرة الكافية على قبول «قرار كبير» من رب العائلة الاجتماعية يحسم فيه الجدل الذي لا جدوى منه، وليس مبنيا على منطق أو شرع.

التقنية إذا كانت تقدم حلولا غير تقليدية ولكن لا بد من انتظارها، فإن القرارات التاريخية تبقى دوما هي أهم وأقوى الحلول.

[email protected]