مبادرة «منظمة الدول المطلة على الخليج للتعاون».. تستحق التأييد

TT

الدعوة لإنشاء منظمة إقليمية في منطقة الخليج على أسس المصالح والحاجات الاستراتيجية لا تعد أمرا جديدا في المسيرة الدبلوماسية لدول المنطقة. فخلال العقود الماضية تم طرح عدة أفكار مشابهة، لكن هذه الأفكار لم تتحول إلى مشروع جدي يأخذ في اعتباره البيئة الاستراتيجية الحيوية والمتغيرة لمنطقة الخليج العربي.

لذا جاءت دعوة رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم، التي تضمنتها كلمته أمام المؤتمر الأول لتجمع «العالم العربي والعالم» في الكويت يوم 11 فبراير (شباط) 2013، لتأسيس «منظمة الدول المطلة على الخليج للتعاون»، لتضم دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى جانب إيران، لتجدد الشعور بالحاجة لتطوير إطار جديد يقوم على المبدأ الذي ذكره الشيخ حمد بن جاسم في كلمته وهو «لا بديل للطرفين عن التعايش». فجميع قيادات دول مجلس التعاون تؤمن بأنه لا بديل للتعايش مع إيران، والقيادة الإيرانية تعلم بهذه الحقيقة، وأعتقد تؤمن بصوابها. مبدأ التعايش يتعارض مع مبدأ الهيمنة والشعور بالتفوق وغير ذلك من أمراض العظمة، لذا فإنه على جميع الأطراف التي تؤمن بضرورة ترسيخ «التعايش» أن تقبل حقيقة أن التعايش الصحيح والقابل للديمومة يستوجب التعامل مع الأطراف الأخرى على أسس المساواة، واحترام السيادة والخصوصية لكل دولة.. التعايش يعني ضمان عنصر المنفعة المتبادلة والمتعادلة لجميع الأطراف، وإذا توافرت النوايا الحسنة لدى الجميع فإن التوصل إلى هذا المبدأ لن يكون مهمة مستحيلة.

عدم تطبيق مبدأ التعايش في السابق كان مرده عدم توافر النوايا الحسنة وانعدام الثقة بين أطراف المعادلة، والدور السلبي الذي لعبته الأطراف الخارجية، لذا فإن المبادرة الجديدة يجب أن تؤخذ بجدية، فلا يوجد خطأ أو عيب في الدعوة للتعايش على الأسس الصحيحة، ولا توجد مبررات منطقية للعداوة بين دول الخليج وإيران، إذا تم التوافق على احترام حقوق سيادة كل طرف، والتعامل مع القضايا الخلافية بروح الجوار، واللجوء إلى مرجعية القانون الدولي، ومن دون توافر حسن النوايا ومبادرات تؤسس لعامل الثقة لا يمكن تأسيس منظومة إقليمية.

دعوة الشيخ حمد بن جاسم لتأسيس «منظمة الدول المطلة على الخليج للتعاون» تضع الأسس لبداية علاقة تعاون جماعي «مؤسسي» ضمن إطار إقليمي بين دول مجلس التعاون، وإيران، ومما لا شك فيه أن هذا النوع من التعاون لم يتحقق خلال القرون الماضية، مما أدى إلى استمرار حالة الصراع العربي - الإيراني، والخليجي – الإيراني، بوتيرة مختلفة من زمن لآخر، وبصيغ متعددة، ومحاولة إنهاء هذا الصراع على أسس مؤسساتية هي بادرة طيبة تهدف إلى إحلال التعايش والتعاون بدلا من الصراع الذي يتحكم في مسيرة العلاقات بين الجانبين. والسؤال المنطقي والموجه للطرفين: ماذا حصدنا من الصراع والتنافس خلال العقود الماضية غير الحروب والدمار وضياع الفرص، وفتح الأبواب للتدخلات الخارجية؟

من أجل منح المبادرة الجديدة فرص النجاح، نعتقد أن البداية تنطلق من ترسيخ أسس التعاون المؤسسي لتجنب تأثيرات وإسقاطات الإرث السلبي الذي تحكم في العلاقات بين الطرفين لعقود، فعلاقة التعاون والتنسيق «المؤسسي» يجب أن تسير بخطوات متأنية، وتمر بمراحل منطقية، وتتطور على أسس صحيحة، كما أن عامل الثقة المفقودة لا يمكن استعادته أو تأسيسه في ليلة وضحاها، ولا يمكن أن يقوم في ظل افتقاد المصارحة والإيمان بالأهداف المرجو تحقيقها، أو دون توافر العدالة والاعتراف بالحقوق المشروعة. لذا، من أجل توفير فرص النجاح للمبادرة، علينا تجنب «حرق المراحل»، أو التغاضي عن البحث عن حلول منطقية وعادلة للخلافات القائمة، وفي حالة توافر حسن النوايا والثقة المتبادلة فإن تحقيق الهدف النهائي لن يكون مستحيلا.

لضمان البداية التي تضمن درجة معقولة من النجاح الذي يمكن لاحقا البناء عليه، نرى أن بداية التعاون المؤسسي بين الطرفين يستحسن أن تنطلق من تأسيس الإطار العملي للتعاون والتنسيق في القضايا «غير الاستراتيجية»، أي القضايا التي لا تحمل في طياتها الحساسية التي تمس أمن دول المنطقة، وهنا يبرز مجال واعد لهذا التعاون وهو التعاون في مجال «الأمن والسلامة البحرية». فدول مجلس التعاون لا تمتلك أراضي مشتركة مع إيران، لكون عنصر الحدود البرية المشتركة يمثل عادة أكبر مصادر التصادم بين الدول. لذا فإن نقطة الاحتكاك الرئيسية بين الجانبين هي مياه الخليج، من هنا تأتي أهمية التعاون في مجال الأمن والسلامة البحرية.

وهناك بعدان مختلفان لمفهوم الأمن البحري، الأول هو المفهوم الاستراتيجي، ويعني تأسيس تعاون بين الدول المعنية يتناول القضايا الاستراتيجية المعقدة، وهو أمر صعب في الوقت الراهن لوجود أطراف خارجية في معادلة التوازنات الإقليمية، وهذه الأطراف لها مصالحها ووجودها، ليس في مياه الخليج، بل وجودها المكثف في المياه الدولية تحت مظلة القوانين الدولية. وهنا لا نحاول التقليل من أهمية التعاون بين الأطراف حول القضايا الاستراتيجية، لكن نحاول القول إن اشتراط التعامل مع هذه القضايا كبداية لتأسيس آلية تعاون إقليمي لن يكون خطوة حكيمة، وما نود أن نؤكد عليه، مع الاستدلال بتجارب الأمم الأخرى، أنه في حال تأسيس آلية صحيحة ذات بعد مؤسسي منظم لمسيرة التعاون الخليجي - الإيراني، وبناء الثقة بشكل صحيح، فإن القضايا ذات البعد الاستراتيجي سيتم التعامل معها لاحقا بشكل جدي وبرغبة صادقة من جميع الأطراف.

لذا نقترح أن تكون نقطة البداية هي تأسيس آلية «مؤسساتية» بهدف نقل العلاقات الإقليمية بين دول الخليج وإيران للارتكاز على فكرة تأسيس «هيكلية دائمة للتعاون في قضايا الأمن البحري»، ونستدل بتجارب مشابهة حققت النجاح والديمومة، ففي خضم الحرب الباردة توصلت واشنطن وموسكو عام 1972، إلى اتفاقية «منع الحوادث في البحار» لإيجاد آلية تنسيق تمنع حدوث سوء فهم بين بحرية الجانبين، والذي قد يقود إلى صراع مسلح غير متعمد. المثال الناجح الآخر «العلاقات الهندية - الباكستانية»، والتي تعد الأقل استقرارا في العالم، ففي عام 2005 توصل الطرفان إلى «المبادرة الهندية - الباكستانية للتعاون البحري»، التي أسست للتنسيق بين قوات حرس السواحل وأجهزة مكافحة الجرائم البحرية في الدولتين، وقادت إلى تطوير التعاون في مجال الأمن البحري بينهما، رغم وجود خلافات عميقة بين الدولتين حول السيادة على خليج السير منذ عام 1857، وما زالت قائمة إلى جانب خلافات أخرى.

تشمل مبادرات التعاون في مجال الأمن والسلامة البحرية قضايا كثيرة لا تعد خلافية وتسعى لها جميع دول المنطقة، ومنها: مكافحة الجرائم البحرية مثل القرصنة، تهريب المخدرات والبشر، مكافحة التلوث البيئي، البحث والإنقاذ البحري، وغيرها من القضايا المشتركة، والتي لا تتضمن حساسية سياسية أو أمنية لكنها تمس الجانب الإنساني للدول المتشاطئة على الخليج.

ما نؤكد عليه هو أن المبادرة القطرية لتطوير قواعد تعاون خليجي - إيراني عبر مقترح «منظمة الدول المطلة على الخليج للتعاون»، تعد في نظرنا مبادرة تستحق التقدير، ويجب منحها فرصة لتكون نقطة بداية منطقية، وإن كانت طويلة وشاقة، لتأسيس علاقات ودية وثقة متبادلة بين دول مجلس التعاون وإيران، وإذا كان هدف هذه المبادرة هو التأسيس لقواعد الأمن الإقليمي في منطقة الخليج، فلا يمكن تجاوز حقيقة أن المنطقة تضم ثماني دول تمتلك سواحل على الخليج، وتستخدم مياهه في حياتها الاقتصادية. لذا لا يمكن تأسيس نظام أمن إقليمي يتجاوز حقيقة كون العراق دولة خليجية، منفذها البحري الوحيد هو على مياه الخليج، لذا فإن للعراق حقا متساويا في أن يكون جزءا من أي منظومة إقليمية مستقبلية تضم دول الخليج.

* رئيس مركز الخليج للأبحاث في دبي