تولي المريض المسؤولية نحو صحته

TT

كثيرة جدا هي الأمثلة على عدم تلقي المرضى لمستوى الرعاية الطبية والخدمة الصحية اللازمة واللائقة لحالتهم المرضية واحتياجاتهم البشرية. ولكن تظل الأمثلة تلك تتوالى وتحصل مرارا وتكرارا، ويظل الطرح التلقائي يتحدث عن حلول تتناول تعليم الأطباء إتقان كيفية إتمام المعالجة للمرضى، وتتناول ضرورة أن تتقن المستشفى الاهتمام بخدمة المرضى، وأن تضع لوائح وإجراءات، وأن تصدر تعليمات صارمة حول هذا كله. والنتيجة المشاهدة، هي تكرار لنفس فصيلة الأخطاء ونفس درجة الهبوط في مستوى الخدمة الطبية المقدمة للمريض.

في الشهر الماضي، تحدثت قناة «بي بي سي ويلز» في أكثر من ثلاث مقالات إخبارية، وفي بحر أسبوع واحد، عن مستوى نظام تقديم الرعاية الصحية في المقاطعة البريطانية ويلز Wales NHS، وأطنبت في سرد ما مفاده أن ثمة ضرورة لتغييرات في أساليب تقديم الرعاية الصحية. وفي تلك المقالات، ذكرت عبارات مختلفة، نقتطف منها ما ترجمته: «زادت شكاوى المرضى بين يوليو (تموز) 2006 ومارس (آذار) 2012 بنسبة 3 أضعاف». ويقول بيتر تيندال، أمين المظالم للخدمات العامة في ويلز Public services ombudsman، إن الارتفاع يعود إلى عدم الرضا عن نوعية الرعاية الصحية، ويحذر من أن «الخدمات سوف تصبح أقل أمانا ما لم يحصل تغيير». وتمر «المجالس الصحية المحلية في ويلز LHBs بعملية وضع اللمسات النهائية لخطط إعادة تنظيم تقديم خدماتها الصحية». وكان الوزير الأول للمقاطعة، كاروين جونز، سبق له أن حذر من أنه «ما لم تتم إعادة ترتيب وتنظيم الخدمات الصحية، فإنها سوف تنهار».

وبعيدا عن الاستطراد في السرد ونقل الترجمة، فإن الأساس في أي حديث من هذا النمط أن ثمة ثلاثة أمور تطفو على السطح اليوم في شأن تقديم الرعاية الصحية وتلقيها، وهي: أولا: أن الأمراض بالأصل زادت في التعقيد، وبالتالي فإن طرق معالجتها تشعبت وتعقدت، والثاني: أن مستويات توقعات المرضى وذويهم لنوعية الخدمة الصحية واحتياجات تخفيف معاناة المرضى، ارتفعت. والثالث: أن نهج الشمول في معالجة أمراض المريض هو الطريقة الأفضل لرفع مستوى صحة المريض وتمكينه من العيش بطريقة أفضل، وبدرجات أقل من المعاناة، وبقدرات أعلى على المشاركة في أنشطة الحياة اليومية.

وإزاء هذه التغيرات، لم تعد الطرق التقليدية في العلاج بالمستشفيات مجدية، ولذا أمست ممارسة الطرق التقليدية عبئا لا عونا. والغائب الأكبر عن كل متطلبات رفع مستوى تقديم الرعاية الصحية للمرضى هم المرضى أنفسهم.

دعونا نراجع القصة من أولها. إن المشكلة الصحية تنشأ لدى المريض وغالبا ما يشعر بوجودها، وتتطور إما سريعا أو بالتدرج، وهذه المشكلة تصل إلى حد مزعج أو مؤلم، أو مانع من القدرة على ممارسة أنشطة الحياة اليومية، أو مهدد لسلامة حياة الإنسان نفسه. وحينما تصل الأمور إلى هذا الحد، يتوجه المريض لطلب الرعاية الطبية، ومن ثم تبدأ رحلة المعالجة.

هل بإمكان برامج الوقاية من الإصابة بالأمراض أن تقلل عدد المرضى؟ الإجابة: نعم، وثبتت فائدتها عبر اتباع السلوكيات الصحية في ممارسة أنشطة الحياة اليومية. هل بالإمكان تقليص عدد من يضطرون إلى القدوم لأقسام الإسعاف في حالات مرضية متقدمة؟ نعم، من الممكن. هل بالإمكان تدارك التدهور في الحالة الصحية للمريض قبل استفحالها؟ نعم، ممكن، وهكذا دواليك. إذن، ما المطلوب؟ المطلوب، كجزء مهم من تقديم الرعاية الطبية، توفير برامج وقائية، إذ يمكن وضع برامج للرعاية الطبية تستبق الوصول إلى نقطة الحضور العاجل إلى المستشفيات. وهذا كله يتطلب مشاركة المريض وتوليه مسؤولية الاهتمام بحالته الصحية.

وإذا ما أصيب المرء بمرض ما أو بعدة أمراض، هل بالإمكان الحد من انتكاس حالته المرضية المستقرة؟ نعم، من الممكن جدا، ولكن بتعاون المريض واهتمامه بنفسه واتباعه لإرشادات الأطباء ونصائحهم، المتعلقة باتباع السلوكيات الصحية في ممارسة وعيش الحياة اليومية والأدوية والفحوصات والمتابعة الدورية في العيادة.

المصابون بالأمراض المزمنة بإمكانهم المساهمة في تخفيف معاناتهم والمساهمة في معالجة أنفسهم والمساهمة في تخفيف احتياجاتهم للمستشفيات، وهم يشكلون نسبة كبيرة من المرضى في المستشفيات. هذا نهج يتطلب تحمل المريض مسؤولية الاهتمام بنفسه، ويتطلب خدمات صحية لديها وسائل للكشف المبكر عن الأمراض والمتابعة المبكرة وسهولة وصول المرضى إلى نقاط تقديم الرعاية الصحية وتوفير خدمات الرعاية المنزلية للمرضى.

وفي هذا كله وفي غيرها من أمثلة برامج الوقاية والمعالجة الاستباقية، فإن المريض هو الأساس، والمريض هو من «يفعل» الاهتمام بحالته الصحية، وهو من «يفعل» حماية صحته من التدهور، وهو من «يفعل» الاستفادة من خدمات العلاج التي تقدمها المستشفيات.

* استشاري باطنية وقلب

- مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض