سوريا والفصائل المتشددة

TT

مشكلة الجماعات المتشددة في الثورة السورية صارت مثل المرض الصعب الذي يتحاشى المريض الكشف الدقيق عن درجة خطورته والبدء في مرحلة العلاج، بل يتحاشى حتى الحديث عنه أو تذكيره به، وفي تقديري أن مضي نحو السنتين على اندلاع الثورة السورية الباسلة ووضوح مراكز القوة بشقيها؛ السياسي في الخارج والثوري على الأرض، يتطلب صراحة ووضوحا في تناول هذا الملف البالغ التعقيد.

أدرك أن مرحلة الصراع مع نظام بشار وحليفه الشرس إيران تتطلب التركيز على توحيد كل السهام الموجهة لهذا الثنائي الطائفي حتى تهاويه، ثم كسر ظهر النفوذ الإيراني، لكن هذا لا يمنع من أخذ مسارين متوازيين أحدهما يدعم جهود الثورة ماديا وعسكريا ولوجيستيا حتى تحقق غاياتها، والثاني ينظر إلى تعقيدات خريطة المعارضة السورية بكل أطيافها، وخاصة الجماعات المتشددة التي تتبع تنظيم القاعدة تنظيميا أو تتقاطع معه فكريا، فمثل هذه المعالجة المبكرة من شأنها أن تقلل من تعقيدات عملية تسلم السلطة بعد انهيار النظام، الذي تدل كل المعطيات على الأرض على أنه ساقط لا محالة، حتى لو استغرق الإسقاط وقتا أطول، وعليه فلا يناسب مطلقا التحسس من الحديث الصريح والشفاف حول هذا الموضوع خاصة في هذه المرحلة، كما لا يصح أن يدرج الحديث حوله وحول عناصر الثورة «المتشددة» التي تشكل خطرا على الثورة نفسها بعد سقوط النظام.

إن المرحلة التي تعيشها الثورة السورية من انتصارات عسكرية؛ كسقوط المدن والمطارات، وإنجازات سياسية مثل الاعتراف بالمعارضة ممثلا لنظام الحكم الجديد، تشبه إلى حد كبير مرحلة ما قبل سقوط نظام الحكم الشيوعي في أفغانستان، ويهمنا هنا أحد أبرز وأخطر أوجه الشبه بين الحالتين، وهو التحسس من إثارة هذا الموضوع وتحاشي الحديث عن عمق التباين بين الفصائل أثناء تحقيق الانتصارات وقبيل سقوط النظام الخصم، وكيفية التعامل مع حركات التشدد القاعدية.

فقد كان الذي يحذر من مرحلة ما بعد سقوط النظام الشيوعي يعتبر خاذلا ومخلخلا لصفوف المجاهدين، وضاربا لحركة الجهاد في ظهرها، وكان ينالهم حينها تبكيت وتقريع قد يصل في بعض الأحيان إلى حد التخوين، وأثبتت الأيام التي تلت سقوط كابل، مع بالغ الأسف، أنها أسوأ أوضاع أفغانستان الأمنية، من حيث عدد ضحايا الصراع، والدمار الهائل، ولم ينتهِ حتى برز نجم حركة طالبان مستغلة سأم الأفغان وضيقهم من صراع إخوة الجهاد والتحرير الذي طال أمده وأكل أخضر أفغانستان ويابسها.

أحببنا أم كرهنا فإننا نتوقع وضعا صعبا بالغ التعقيد بعد سقوط نظام بشار، بل لا أبالغ إذا قلت إن خارطة الثورة السورية أكثر تعقيدا من الجهاد الأفغاني، فالأخير تشكل الفصائل الإسلامية فيها النسبة الساحقة من مكونات المعارضة الأفغانية، وأما الثورة السورية فالقوى الليبرالية لها نفوذ في المشهد السياسي، فيما قوات الثورة السورية على الأرض تتشكل في الغالب من الفصائل الإسلامية على تنوع آيديولوجياتها الذي يصل إلى حد التنوع المتضاد، ففي هذه الفصائل من لا يعترف ببعض الحركات الثورية المسلحة فكيف بنظرتهم تجاه المعارضة السياسية التي ينشط فيها الليبراليون والعلمانيون؟

[email protected]