«التت» في «النت»!!

TT

بينما يدور في الكواليس الحديث عن ميثاق الشرف الإعلامي المزمع إعلانه خلال أسابيع، وهو بالتأكيد لم يعد يخص دولة عربية واحدة بعد أن اخترقت الفضائيات حاجز الحدود بين المصري والخليجي والمغربي، جاءت السلطات المصرية في ضربة استباقية لتمنع قناة «التت»، ولم تدرك أن كل فقراتها صارت متوافرة وبكثرة على «النت». إنها قناة متخصصة في الرقص الشرقي، وكانت تحظى بنسبة مشاهدة عالية نافست من خلالها برنامج باسم يوسف «البرنامج».

لا أحد يصدق أن المقصود بإغلاق القناة هو التجاوز الأخلاقي بسبب مشاهد الرقص، خاصة أن عشرات الفضائيات تعرض على الميمنة والميسرة من تردد التت معدلات اهتزاز أكثر. الرقص ليس فقط في ارتداء بدلة تحية أو سامية، لكن هناك بالتأكيد من يرقص بالأفكار ويوزع الهزات هنا وهناك.

لم أرتح إلى هذا القرار على الرغم من أنني لا أتابع القناة، إلا أن المشاهد أصبح محاصرا بأخبار قتل ودمار ومولوتوف وقنابل مسيلة للدموع، وأخرى قاتلة للعيون، وخرطوش ورصاص مطاطي وحي، وغيرها من المفردات التي صارت تشكل الوجه الدائم للحياة في العديد من دول الربيع العربي.

أدار المشاهدون المؤشر إلى «التت» يطلبون هدنة مؤقتة.. والحقيقة أنها لم تكن المرة الأولى التي يصادر فيها الرقص، فقبل 15 عاما كان التلفزيون المصري يحذف من الأفلام القديمة الرقصات، ولو راجعنا الأرشيف السينمائي سنكتشف أن 90 في المائة على الأقل من الأفلام القديمة لا تخلو من مشهد أو اثنين للرقص، سواء أكان الفيلم بطولة «عالمة» رقص أم عالمة ذَرة!!

هل «التت» بداية؟ في ظل حالة التوجس التي نراها بين نظام الحكم الإخواني وقسط كبير من الإعلاميين والمثقفين، كل المؤشرات تؤكد أننا سنترقب معركة حياة أو موت بين النظام والقوة الناعمة.

السلطة ترى أن تطهير الإعلام هو الوسيلة المثلى للسيطرة على كل تفاصيل الحياة، ولهذا تشكلت لجنة تابعة للدولة لرصد ما يجري، وانتهت إلى أن هناك تضليلا متعمدا تمارسه القنوات الخاصة المصرية، وأن الضلال انتقل إلى «ماسبيرو» المعقل الرسمي للإعلام، وطالبت اللجنة الإعلاميين الحكوميين بألا يُستدرجوا إلى تلك المصيدة، وأن يظلوا حتى اللحظة الأخيرة دروعا للدولة.

هل صحيح أن الرأي العام في مصر خاضع لهذه الفضائيات التي لا تتوخى الحقيقة ولا يعنيها سوى نشر الضلال؟ هل مذيعو الـ«توك شو» أصبحوا يسيطرون على توجهات الناس وتحملوا هم مسؤولية تهييج الرأي العام ضد مؤسسة الرئاسة؟ أم أن الحقيقة هي أن عشوائية العديد من القرارات الرئاسية لعبت دور البطولة في هذا الشأن؟

هل العالم الواقعي صار تابعا للعالم الافتراضي؟ أم أن المنطق يقول إن ما يجري على أرض الواقع لو أرضى الناس فسوف يرفضون ما تبثه تلك الفضائيات التي تُعكر صفوهم؟ تحميل الإعلام مسؤولية الغضب الشعبي هو حجة البليد.

المنع سلاح في يد الدول، لكنه مع الزمن فقد الكثير من فعاليته. مثلا القضاء المصري أصدر قرارا بإغلاق موقع «يوتيوب» لمدة شهر بسبب فيلم «براءة المسلمين» المسيء للدين، فهل تم تنفيذه؟ الحقيقة أنه ظل حكما على الورق. إغلاق قناة «التت» التي تبث إرسالها من خلال قمر «نايل سات» التابع للدولة لن يمنع القناة من أن تُطل على الجمهور من قمر آخر. التعامل مع الفضاء العصري يطرح على الأنظمة أسلوبا مغايرا لاكتساب المشاهد إلى صفها بما تحققه من إنجازات على أرض الواقع. بعد ثورات الربيع لم يعد الناس يقبلون الإقصاء، ويبدو أن قناة «التت» ليست هي فقط التي ترقص «على واحدة ونص»!!