رأي حر في «المصارعة الحرة»

TT

كان أبي يحب مشاهدة «المصارعة الحرة» التي يعرض برنامجها أيام الأسود والأبيض، مرة في الأسبوع. ومن عادته أنه يقوم إلى النوم في العاشرة، أي قبل إغلاق المحطة بساعتين، مهما كانت نوعية البرامج الأخرى. لكن ليلة «المصارعة الحرة» كنا نستعد جميعا في المنزل لإيقاظه من الكابوس الذي يحل عليه وهو يدافع عن بطله المهزوم. لم أحب «المصارعة الحرة»، لا أيام محدوديتها بالأسود والأبيض ولا بالهمجيات الملونة. لذلك عندما أعلنت اللجنة الأولمبية إلغاء هذا النوع الدببي من «الرياضة» اعتبارا من دورة 2020 اعتبرت ذلك انتصارا شخصيا. طبعا، كمتفرج، أو بالأحرى كرافض للتفرج. فأنا أقدر التنافس في الركض والقفز وسباق الحواجز والسباحة والكرة بأنواعها، قدم وطائرة وسلة، أما المصارعة، فعندما أمر خطأ على قناتها، أسارع بطرد الكابوس.

عندما قدمت المصارعة في أول ألعاب أولمبية قبل 2500 عام، رافقها الفساد والتزوير والصفقات. ولا يزال. لذلك يعتقد الكثيرون أنها في الغالب مجرد مسرح ثقيل حتى ولو كانت المباراة «من وزن الريشة»، أو من «وزن الديك». وبسبب تكاثر الهمجيات المنافسة، انقرضت المصارعة في لبنان منذ سنين. وكانت المباريات في الماضي تقام برعاية النواب أو الوزراء الموسرين، حتى يتكفلوا بتغطية الخسائر، في العظام أو في خشب الحلبة أو في كراسي الحضور، وفي هذه الحالات يطلق على الحاضرين لقب «الجمهور»، لأن كل جمهور يؤيد مصارعه ويهتف له مشجعا، مصفقا، مطالبا إياه بطرح خصمه في غيبوبة، لكي يشعر مناصرو الآخر بالذل والهزيمة.

أول مرة أشعر أن «الألعاب الأولمبية الصيفية» تستحق اسمها. وأطلب الاعتذار من محبي هذه «الرياضة» والصافحين عنها. وأقر بأنني أغبط مشجعي جميع الرياضات الأخرى، تلك التي أتبين قواعدها التي لا أفقه فيها شيئا، مثل «الكريكيت» و«الرغبي» و«الهوكي» الكندي على الجليد.

أيام لندن كنت أذهب إلى طبيب اختصاصي في الجيوب الأنفية، وكان رجلا ودودا. لكن معرفته في المسألة لا تزيد على خبرتي فيها. ولذلك قرر فورا أنه لا بد من عملية جراحية. وجئت إليه قبل أسبوع من موعد العملية للاستشارة، وقلت له إنني مسافر إلى باريس ليومين فقط. فدفع كرسيه إلى الخلف ووقف مبتهجا ورمى سماعته على المكتب، وهتف: «لا تقل لي إنك ذاهب لحضور مباراة الرغبي؟».

- «كيف حزرت؟»، قلت للمشجع الذي سيحمل مبضعا بعد أسبوع.