الجهة الأخرى من هافانا

TT

كنا نعتقد أن ميامي هي الجانب الآخر من هافانا، منذ وصول فيدل كاسترو إلى الحكم عام 1959. خطأ.. قبل ذلك بكثير. عام 1933 هرب إليها الرئيس الكوبي المخلوع جيراردو ماكادو على طائرة صغيرة ومعه 5 مسدسات و7 أكياس ذهبا و5 أصدقاء، جميعهم بلباس النوم.

الآن يرتاح جثمان الجنرال ماكادو في مدافن وودلاند بارك في ميامي. وفي عام 1952، وصل الرئيس الكوبي كارلوس بريو سوكاراس ومعه وزير خارجيته ووزير الداخلية وزوجته وابنتاه. جميعهم بثياب السهرة.

كارلوس بريو أيضا في مدافن وودلاند بارك، إلى جانب الرئيس الذي ساهم في إطاحته، السنيور ماكادو. تروي جوان ديديون أن بريو قال لأرثر شليسنغر، مستشار كيندي: «يقولون إنني كنت رئيسا رديئا. قد يكون هذا صحيحا. لكنني كنت أفضل الرؤساء في كوبا».

إلى هنا أيضا جاء أشهر منفي كوبي في تاريخ الجزيرة، فيدل كاسترو. جمع المال (1955) من المنفيين الآخرين، وخصوصا من كارلوس بريو من أجل حملته على الديكتاتور باتيستا الذي كان قد عاد بدوره من فلوريدا ليأخذ هافانا من كارلوس بريو عام 1952.

أرجو أنني لا أبلبل خواطركم بكثرة الأسماء والتواريخ. لكن عندما سقط باتيستا عام 1959 لم يسافر إلى ميامي، بل إلى جمهورية الدومينيكان. النساء اللاتي معه على الطائرة كن جميعا بثياب السهرة. الرؤساء الكوبيون ينقلبون دائما على غفلة، إلا كاسترو.

وصل وأقام. ولكن شقيقه راؤول أعلن قبل أيام أنه لن يخوض معركة الرئاسة بعد 5 سنوات، إذ يبلغ الخامسة والثمانين. ومعه سوف تنتهي سحابة القرن من حكم طبع القارة اللاتينية بالإثارة والغموض. فمن هافانا انطلقت محاولات الثورة إلى سائر القارة، ومن ميامي انطلقت إلى كوبا المحاولات الفاشلة لخلع كاسترو. وكما موّل المنفيون حملة كاسترو، مولوا فيما بعد محاولات إسقاطه التي بدأت مع جون كيندي.

وعندما بدأ الكوبيون يفرون بأعداد كبيرة إلى فلوريدا أطلق كاسترو نحو 20 ألف سجين ودفعهم صوب الشاطئ المقابل. وطوال سنوات كانت ميامي مصدر الأسلحة المهربة إلى معارضي الأنظمة. وكثير من هذه الأسلحة كان يشترى في السوق العلنية. لكن الأمور هادئة في القارة المجاورة وتاليا راكدة هنا أيضا، حيث تقدم فلوريدا الشمس للهاربين من الشتاء في الولايات الأخرى. وتذكرك البواخر المبحرة من هنا إلى الكاريبي بعدد العبارات العاملة بين الجزر اليونانية وعليها عشرات الآلاف الذين يطلبون السلوى والحياة. وهو مشهد مؤلم حقا. لأنك تتذكر أيضا بلادك وعشرات آلاف اللاجئين وآلاف الخيام ووحول الصحراء الأردنية والحدود التركية الخصبة. لكن يبدو أن الحل قريب: وليد التقى سيرغي، وكيري يقوم بجولة استطلاعية. وياسين بقوش أشلاء في حارته، لا يسمع الذين ينادونه «ياسينو».