أميركا وإخوان مصر.. المتغير الجديد في العلاقات الخارجية للمنطقة

TT

مثلما خالفت ثورات الربيع العربي الثوابت التي كانت تتحكم في سياسة دولها بالمثل أعادت فرز حسابات جديدة لأطراف الصراع الموجودة عليها المنطقة.. فالإسرائيليون على الرغم من انتمائهم للديمقراطية الغربية أيقنوا أن أفضل هدية قدمتها المجتمعات العربية على مدار عقود كانت استبداد الحكم وعدم تبلور نظم ديمقراطية فيها حتى لو تخللت هذه الفترات حروب بينها وبين هذه الدول.. تأكد ذلك المعنى بشكل أكبر بعد تجربة فشل الولايات المتحدة في حربها وطريقة تغيير النظام في كل من أفغانستان والعراق على مدار عقد من الزمان دون أن تجني غير الخسائر في مقابل بزوغ الربيع العربي وانكشاف قوة مجتمعاته في تغيير نظم استبدادية بطرق سلمية..

من هنا بدا سحر وقوة المجتمعات العربية بمثابة تهديد لإسرائيل ليس لكونهم أزالوا نظم حكمهم، وإنما لكونهم تبنوا مبادئ الحرية والديمقراطية وأعطوها الأولوية.. ويأتي تخوف إسرائيل في كونها سوف تواجه فيما بعد مجتمعات عربية متحررة تُفعل قواعد القانون والديمقراطية، وهو ما سوف يترك أثرا إيجابيا على هذه المجتمعات، فوعي هذه المجتمعات وبالحرية والتقدم سوف يكون بمثابة السلاح الذي لن تستطيع إسرائيل أن تواجهه ومن ثم سوف يصبح الطريق أمامها مسدودا في حالة ما إذا وقفت أمام حقوق الشعب الفلسطيني.. ومن هنا كان من الضروري بالنسبة لها أن تبحث عن البديل غير الديمقراطي الذي يحكم هذه الدول.

وتغيرات الواقع وتفاعلاته تؤكد أن الراديكالية الدينية باتت مرشحة لتكون البديل لنظم الاستبداد العربي والتي تشير المؤشرات إلى أنه في حالة اتساع نطاقها سوف تصب في صالح إسرائيل على نهج الممانعين لها في السابق، حتى وإن بدا من خطابها أنها معادية لها، فإسرائيل بطبيعة خبرتها ودراستها للمجتمعات العربية تدرك أن هذا الخطاب أجوف، وأنه بمثابة معول لهدم المجتمعات التي ظهر فيها بدءا من الصومال ومرورا بالسودان وأفغانستان وانتهاء بالعراق.. ولم يكن مستغربا على ضوء هذا بروز دور الرئيس المصري المنتمي للإخوان محمد مرسي في الحرب الأخيرة على غزة بمباركة الولايات المتحدة والذي رفع شعبيته لوقت قصير على الأقل خارجيا بعد عدم نجاحه في إدارة الداخل بإصداره إعلانات دستورية قوبلت بحالة رفض شديدة تمخضت عن انتفاضة ومظاهرات الطبقة الوسطى التي وصلت إلى محاصرة القصر الرئاسي.. وهذه الإعلانات، ما يلفت النظر فيها، أنها جاءت مباشرة عقب وقف إسرائيل هجومها على غزة. وهو ما فسر بعد ذلك الموقف الرمادي للإدارة الأميركية من هبة الشارع المصري السلمية للاعتراض على ديكتاتورية السلطة الجديدة. ومثل هذه الواقعة وغيرها تترك تفسيرات كثيرة لحكم الإسلاميين بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل.

أولا: أن إسرائيل باتت تدرك أن ترعرع الراديكالية على حساب نهضة هذه المجتمعات يحقق مصالحها لإدراكها أن الراديكالية بأشكالها المختلفة قبل أن تسبب لإسرائيل متاعب سوف تكون أداة تهدم مجتمعاتها عندما تدخل في حروب دينية مع من ينتمون إلى نفس الديانة من علمانيين وليبراليين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.. وبالتالي فبدلا من أن تجد مجتمعات ديمقراطية تجد مجتمعات منقسمة على نفسها تتنفس حروبا أهلية، حتى لو تبنت هذه الجماعات الراديكالية بعض العداوة الصوتية لإسرائيل، يمكنها توظيفها دوليا لكسب الدعم الخارجي الذي هو وبطبيعته في حالة حرب مع الإرهاب والتطرف الأمر الذي قد يؤدي وفقا للسيناريو الإسرائيلي إلى الاحتلال الأجنبي مرة أخرى لهذه البلدان على نهج أفغانستان والعراق ومن قبل الصومال..

ثانيا: أصبح وجود الإخوان في الحكم بمصر يختصر طرقا كثيرة للعلاقة التي يمكن أن توظف لصالح إسرائيل من خلال هذه الدائرة: أميركا الإخوان حماس؛ فالأميركيون يدركون هذا الشره للسلطة بالنسبة للإسلاميين وفي نفس الوقت يدركون براغماتيتهم وأنهم سوف يستطيعون أن يقدموا تنازلات بحكم عدم الخبرة في السياسة الخارجية وبحكم الرغبة في تحقيق مشروعهم، الذي يحتاج إلى دعم دولي وإقليمي. وهم من ناحيتهم - أي الأميركيين - يجدون في حكم الإخوان مغامرة قد تكلل بالنجاح يمكن عن طريقهم تحقيق مصالحهم كالقيام بدور الشرطي لهم في المنطقة حيث يبدو أنه سوف يحكمها في المدى المنظور نظم إسلامية ما بين معتدلة وقد تصل إلى راديكالية.. وهذه النظرية الأميركية ترى أنه يمكن تحقيقها خصوصا لو جرت في إطار ديمقراطي حتى لو حدثت فيه تجاوزات ما دام هناك التزام بالشكل، فهي لا يهمها تحول حقيقي نحو الديمقراطية بقدر ما يعنيها استقرار هذه النظم والقدرة على الهيمنة عليها فيما يحقق مصالحها وعدم الإضرار بأمن إسرائيل. ويعتبر هذا التحول الأخطر في نتائج الربيع العربي في تثبيت المتغيرات الخارجية وتوظيفها لتحقيق المصالحة الثنائية للإسلاميين والأميركيين وإسرائيل حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية ومبادئها.. والخطورة هنا تبدو في أن القادمين الجدد لعبوا على متغير الطرف الخارجي الذي لم يكن في يوم ما نزيها في كل تدخلاته، فنتائجه دائما كانت كارثية، فضلا عن أن سرعة سقوط النظام في كل من مصر وتونس كان من بين أسبابها تحييد الطرف الخارجي الذي فوجئ كغيره بالسقوط بالسرعة وبالأداة السلمية التي لم يكن في حسبان أحد أن تُغير أنظمة ديكتاتورية. فهل سيكون الإخوان بمثابة الكنز الاستراتيجي لأميركا وإسرائيل بدرجة تفوق النظم الديكتاتورية السابقة؟