فرصة الأمل المستحيلة

TT

قال لي أحد الوزراء في الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها بصراحة خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى إسرائيل: «للمرة الأولى في هذه الانتخابات، لم يجن الفلسطينيون أي فائدة تذكر».

إن الإسرائيليين في الأغلب يستشعرون الراحة تجاه تجاهل الفلسطينيين. فإذا كانوا على شفا الهلاك، فإنهم يفضلون عدم التفكير في الأمر تماما.

لقد أصبح من الحكمة، بالنسبة للبيت الأبيض وجهات أخرى، الإشارة إلى أن إلى الوضع الحالي غير قابل للاستمرار.. الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية المستمر منذ ستة وأربعين عاما في ظل عدم تحديد الحدود والصراع المحتدم والقهر؛ ربما لن يكون إنهاء هذا الوضع أكثر من تمنٍ.

يمكن القول إن الوضع الإسرائيلي باق على ما هو عليه. بإمكان المعجزة الاقتصادية التي بدت فيها مساحات شاسعة من البلاد كأنها مثل جنوب كاليفورنيا المضي قدما.. لا ترتقي العزلة الدبلوماسية التي تشعر بها إسرائيل إلى مستوى العزلة التجارية. لا شك أنه سوف تنمو الهيمنة العسكرية الإسرائيلية من خلال دعم الولايات المتحدة. وسيظل الشعار القومي الإسرائيلي القوي والرائج «لقد فزنا بجميع الأراضي في ساحة القتال، لذلك فهي لنا!»، مخيما على محادثات السلام بين الإسرائيليين الليبراليين والحركة الفلسطينية المنشقة.

إن مجرد العبور من خلال جدار الفصل الموجود في الضفة الغربية يعود بنا إلى الوراء إلى ثلاثين عاما مضت. وبالنظر إلى الزخم الحالي، سوف نشعر بأننا رجعنا بالزمن نحو أربعين عاما. قد يعرف نصف مليون إسرائيلي ممن يعيشون وراء الخط الأخضر بالكاد ماهية الأمر.. حل الدولتين المعتمد على حدود عام 1967 مع القيام بتبادل الأراضي المتفق عليها، يعتبر خيالا دبلوماسيا وفكريا.

نعم، إن فكرة استحواذ الكيان الصهيوني على إسرائيل الكبرى (وهو المصطلح المستخدم على نطاق واسع في الإنجيل للإشارة إلى المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن، والتي تشمل كل الضفة الغربية) خالدة. الوضع الراهن ليس ثابتا. وبشكل عام، على الرغم من الأنماط الديموغرافية التي تأتي لصالح الفلسطينيين، فإن القوة تصب في مصلحة الأهداف الإسرائيلية. وبإمكان القوة التفوق على الطبيعة الديموغرافية.

قال لي توم سيغف، المؤرخ الإسرائيلي البارز «ستمر سنوات كثيرة دون أن يحدث أي شيء. سنستمر في قمعنا، وسيستمرون في محاولة القتال. يشعر معظم الإسرائيليين الآن أن أمنهم مضمون حقا دون أن يتخلوا عن أي شيء. تلك هي المشكلة. إن اضطهاد الفلسطينيين أمر مروع. ولكن يبقى الوضع هادئا. ولذلك، لا يدرك الإسرائيليون أن ما يقومون به بشكل يومي يعد قمعا في حد ذاته. لم يعد أحد يؤمن بالسلام على الإطلاق».

أما على الجانب الفلسطيني، فقد أصبح من الصعب إيجاد من يؤمنون باتفاق السلام القائم على حل الدولتين. لقد أدى التوسع الاستيطاني في ظل موافقة الولايات المتحدة إلى الاقتناع بأنه لن يكون من الممكن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

«ليست إسرائيل راغبة في السماح بقيام دولة فلسطينية حقيقية، وتبدو الولايات المتحدة، التي تدعم هذه الجهود، عاجزة وغير عازمة على تغيير ذلك الوضع بسبب السياسات المحلية»، هذا ما كتبه يوسف منير، المدير التنفيذي لمركز فلسطين الكائن في واشنطن، في رسالة بريد إلكتروني. وقال إن الفلسطينيين فقدوا الثقة في الوساطة الأميركية. إن الفلسطينيين من المرجح أن «يبتعدوا بمحور تركيز استراتيجيتهم عن الصراع الانفصالي القائم على فكرة قيام دولة، ويوجهوه نحو صراع قائم على الحقوق (وهو ما يحدث بالفعل)»، إذ إن «الاستعمار الإسرائيلي» قد «قضى على التكامل الإقليمي لدولة مفترضة».

بعبارة أخرى، سوف يسعى الفلسطينيون للتمتع بحقوقهم - بما فيها حق العودة - داخل دولة واحدة، بدلا من مواصلة السعي لإنشاء دولة قومية خاصة بهم. تتمثل المشكلة الوحيدة في أنه مثلما أخبرنا الروائي الإسرائيلي عاموس عوز مؤخرا «حق الرجوع هو تعبير ألطف يشير لمفهوم تصفية إسرائيل، وحتى بالنسبة لشخص وديع مثلي، يعتبر هذا أمرا غير محتمل».

ومثلما أشار عمر البرغوثي، قائد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل، من قبل بقوله «إذا ما كان للاجئين أن يعودوا، لما بات لديك حل الدولتين، ستكون لديك فلسطين إلى جوار فلسطين».

تعني دولة واحدة نهاية إسرائيل كدولة قومية يهودية. ولن يحدث هذا ولا يمكن السماح بحدوثه. ويعادل سعي الفلسطينيين لتحقيق ذلك الهدف قبول الصراع الداخلي. إن اليهود بعد التجربة التي خاضوها في القرن العشرين، لن يتخلوا عن الوطن الذي حاربوا لفترة طويلة من أجل قيامه.

بالنسبة لأي صهيوني ليبرالي - وأنا من بينهم - مقتنع بالحاجة لحل الدولتين الذي وضع تصور له في قرار الأمم المتحدة لعام 1947 والذي ترتب عليه قيام دولة إسرائيل. سيكون كل من ضغط إسرائيل الديني القومي للاحتفاظ بكل الأراضي ورفض الفلسطينيين التخلي عن «حق العودة» المتعذر الدفاع عنه وغير المقبول (لا يوجد مثل هذا الحق في التاريخ. فقط اسألوا اليهود) سببين لحالة الجزع المتأصلة.

قلت إن وضع إسرائيل مستمر. إنه مستمر ماديا، وليس من المنظور الأخلاقي. إنها دولة ينص إعلان استقلالها في عام 1948 على أنها ستكون «قائمة على مبادئ الحرية والعدالة والسلام بروح رؤى أنبياء إسرائيل، وسوف تكفل حق المساواة في الحقوق الاجتماعية والوطنية بأكملها لجميع مواطنيها من دون تمييز على أساس الدين والعرق والنوع، وسوف تعد بحرية العقيدة والإرادة واللغة والتعليم والثقافة». لكن يأتي الفلسطينيون الذين يربو عددهم على 2.6 مليون شخص في الضفة الغربية على النقيض من كل هذا.

سوف يقوم الرئيس أوباما بزيارة لإسرائيل والضفة الغربية. وهو لا يملك أي مبرر للتفاؤل. إن السلام يكمن في ثقب إبرة صدئة.

* خدمة «نيويورك تايمز»