هات مصباحك

TT

أحب العرب القمر، لأنه ضوء من دون قر. نور وظل. كان دليلهم في الليالي، حين يسافرون أو يعملون من دون قسوة الحر. وفي بلاد البرد والعتم، أحبت الناس الشمس وتاقت إليها وتذمرت من تطفل الضباب وثقل الغيوم تحجب النور وتطمس أشعته.

في كل ما قرأت عن الهندسة، أن أول ما يحسب حسابه في المعابد القديمة والهياكل وفي القصور الرسمية والقلاع والبيوت العادية، هو الضوء. العتم عمى، والظلام عتم.

نقول عصور الظلام وعصور النور. كل كلمة تختصر أجيالا وبلدانا وأفكارا ورجالا. كان الليل طويلا جدا على كتّابنا القدماء، ما إن ينبلج الفجر حتى يهرعوا إلى نعمه ومناراته. والعمال كانوا يقومون إلى شقائهم في الحقول والبوادي، ما بين طلاوة الظل ونضارة الضوء، ينجزون ما استطاعوا قبل أن تصبح الشمس حارقة، عاليها واطيها، ونورها حريقها.

تبين للإنسان أن ليس ما هو أسرع من الضوء في هذا الكون. قاس العلماء سرعته بملايين اللحظات، وهو قياس لا يعني شيئا لنا لأننا لا نستطيع استيعابه. كأن يقال لنا إنه عُثر على بقايا شجرة عمرها مليون عام. يعني لنا أكثر أن العلماء اكتشفوا اليوم أن على الإنسان أن يتناول أربع ملاعق من زيت الزيتون كل يوم. وإلا فليعوض بكمشة من المكسرات، جوز لبناني وفستق حلبي ولوز مغربي. واللوز المغربي بالي بالك، ولكن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر. ولا الزيات.

كل بضع سنوات يطلع العلماء بدراسة جديدة حول المنافع والمضار. كل، لا تأكل. تماما كما في اللغة: قل، لا تقل. ولا تقل أصلي وفصلي أبدا، إنما أصل الفتى ما قد حصل، كما في لامية الوردي. والحاصل أن من لا يعمل لا يصل، ومن يعمل خيرا، خيرا يحصد. وأهل الشر شرورهم قصيرة ولها نهايات مهما طالت مسافاتها. وحياتهم ليست مثل حياتك لأنهم خائفون، دنيا وآخرة، ويضايقهم شعورهم بالصغر، دنيا وآخرة، وأولا وأخيرا.

حاول البقاء قريبا من الضوء. العتم بليد وعديم. العتم نهاية، والنور بداية كل شيء. لا يخيلنّ إليك أن التمييز بينهما صعب أو معقد. فضل العرب السنة القمرية لحساب أيامهم. وقسموا أبجديتهم إلى أحرف شمسية وقمرية. أي ما بين ضوءين لا ما بين عتمين. العتم والظلام للنوم. والكهوف أيضا. قال ديوجين الإغريقي: هات مصباحك يا صاح ولنبحث عن الحقيقة، فلا يمكن العثور عليها في الظلام، أو على أي شيء آخر. حتى إصبعك.