كم أنا فخور بنفسي

TT

كانت لديّ عاملة منزلية، عايشتها وعايشتني عدة سنوات، لم تجد مني ولم أجد منها إلا كل الخير، وفاجأتني قبل عدة أيام عندما قالت لي: إنني سوف أترك العمل لديك في بداية الشهر المقبل لأنني سوف أنتقل إلى بيت آخر.

(انكبست) في البداية، ولكنني خمنت أنها وجدت عرضا مغريا وهي تريد أن تحسن أوضاعها، ومعها الحق، فقلت بيني وبين نفسي: الله يرزقها، وسألتها: هل الأسرة التي سوف تعملين عندها عددهم كبير؟!، فقالت: لا، اثنان فقط، أجبتها: يعني رجل وزوجته، فقالت: لا، رجل واحد وأنا.

فعرفت بسرعة بديهتي أنها قررت أن تتزوج، وأمس القريب ذهبت واشتريت لها دبلة الخطوبة بـ(1500) ريال، فقالت لي: إن خطيبي سبق له أن اشترى لي الدبلة، ويا ليتك أعطيتني ثمنها (كاش)، فقلت لها: احتفظي بها واقبليها مني كهدية، ودفعت لها فوقها (1500) ريال أخرى، واعتبرتها نهاية خدمة و(دفاعة بلى) وعلى الله العوض.

ولأول مرة احترمت نفسي، فهل هناك عيب أن يفتخر الإنسان بنفسه، ويصرح بذلك علنا على الملأ؟!

وعلى ذكر الزواج الذي (لا ينزل لي من زور)، فيقال: إنه في بعض أجزاء من البوسنة والهرسك يعامل طالبو الزواج بطريقة لبقة، إذ تدعو أسرة الفتاة طالب الزواج منها إلى مأدبة عشاء وشراب، وتناقش كل المسائل المتعلقة بالزواج، ولكنها لا تذكر له كلمة نعم أو لا صراحة، وبدلا من ذلك فإن الفتاة المخطوبة تقدم لخاطبها القهوة في نهاية المناقشة، فإذا كانت حلوة عرف الشاب أن طلبه قد قبل، أما إذا كانت القهوة مرة، فإنه يعرف أن عليه البحث عن حظه في مكان آخر، و(يا دار ما دخلك الشر)، والحمد لله أن هذا التقليد ليس عندنا، وحيث تقدم الخطيبة لمخطوبها القهوة، فلو أن ذلك حصل فلن تتزوج أي فتاة في بلادنا، لأن قهاوينا من أولها إلى آخرها كلها مرة.

المؤسسة الزوجية عموما تقوم وتنجح من دون أدنى شك على التفاهم، ولكنها قبل ذلك كله يجب أن ترتكز على القناعة، والذي أكد لي ذلك هو ما سمعته وكنت شاهدا عليه، في نقاش جرى بين رجل وزوجته وكنت ثالثهما، وأذكر أن ذلك الرجل الذي يثق بعلاقتي معه، عندما أخذ يحدثني طويلا في تلك الجلسة عن فرصة أو صفقة سنحت له وسوف يكسب منها مالا وفيرا، وسوف يرمي على حد قوله (الفقر من وراء ظهره)، وبعد فاصل طويل من الكلام والبهجة، التفت إلى زوجته وأمسك بيدها بحنان بالغ ثم أخذ يقبلها قائلا لها: حبيبتي من اليوم فصاعدا اعتبري أننا أصبحنا من الأغنياء.

فردت عليه زوجته الرزينة المحترمة قائلة: حبيبي نحن كنا وما زلنا أغنياء، ولكن قل: سوف يصبح لدينا مال.

وما إن سمعت ردها ذاك حتى كدت أقف وأهتف وأصفق لها، لولا أنني خشيت أن أجرح مشاعر زوجها.

لا أدري ما الذي دعاني اليوم للدخول في هذا المضمار (الشائك)؟!، وهناك احتمال مشكوك به، أن نفسي الآن تسول لي: أن أخوض تجربة زواج (المسيار أو المسفار) للعلم بالشيء فقط لا غير، مع اعتقادي الجازم أنني أجبن خلق الله من هذه الناحية، وأنني أفر منه مثلما يفر الإنسان الصحيح من المصاب بداء الطاعون - والعياذ بالله.

[email protected]