إخبار المرضى بحقيقة مخاطر المعالجة

TT

الأساس في علاقة المستشفى بمعالجة المريض هو قدوم المريض إلى المستشفى لتلقي العلاج، ولسان حاله «أتيت إليكم لتساعدوني في تخفيف معاناتي من كذا وكذا». والمستشفى الذي يفتح أبوابه لاستقبال المرضى والذي يضع أطباءه وطاقم تمريضه للاستماع إلى شكوى المريض وفحصه ومعالجته، يقول ويتعهد بأنه سيلبي احتياجات المريض الصحية وسيتولى رعايته وفق إمكانياته وداخل نطاق خدماته. وحينما لا يستطيع تقديم ما قد يتصور المريض أن عليه تقديمه، يقوم المستشفى بتوضيح الأمر للمريض ويقول له حالتك الصحية كذا وكذا ونستطيع أن نعالج كذا وكذا مما لديك، أما كذا وكذا مما هو أيضا لديك، فإنه ليس بإمكاننا خدمتك فيه.

وإذا كنا متفقين أن الصورة هي كذلك بكل جوانبها، ومن أي زاوية نظرنا إليها، فإن أبسط ما هو مطلوب من الأطباء، باعتبارهم ممثلي المستشفى في تقديم الرعاية للمريض والتواصل معه والحديث إليه، أن يكون الأطباء متواصلين على الدوام مع مرضاهم، يتحدثون إليهم بصراحة ويحيطونهم علما بكل ما يحصل لهم في المستشفى ويستمعون إلى شكواهم ويتابعون تطور معالجتهم وما الذي يشعرون به وما الذي تحسن وما الذي لم يتحسن.

هذا ما يفترض أنه يحصل. ولكن هل هذا ما يجري حقيقة بشكل يومي ولدى أي تطور في مراحل المعالجة ومتابعتها؟

في عدد الرابع من مارس (آذار) الحالي، نشرت مجلة الجمعية الطبية الأميركية JAMA، نتائج مراجعة الباحثين من جامعة كولورادو لنحو 300 مريض تم إجراء أشعة مقطعية لهم في مركز دينفر الطبي للمحاربين القدامى خلال الفترة ما بين نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول) 2011. وكان الموضوع هو: هل ناقش الطبيب مع مريضه مدى الحاجة إلى إجراء وسيلة الفحص بالأشعة هذه، وهل أخبر الطبيب مريضه عن مضاعفاتها وآثارها الصحية، وهل تم اتخاذ قرار إجراؤها بالتوافق ما بين الطبيب والمريض؟

نتائج الدراسة تذكر أن 62% من المرضى قالوا إن القرار النهائي اتخذه الطبيب بنفسه، وإن 35% من المرضى قالوا إن الطبيب ناقش معهم مخاطر إجراء هذا الفحص الإشعاعي، وإن 17% فقط من المرضى أكدوا أنهم كانوا مشاركين للطبيب في اتخاذ قرار مثل هذا، وإنه حتى المرضى الذين تحدث أطباؤهم معهم حول تلك المخاطر أفادوا بأن النقاش انتهى بطريقة أشعرتهم أن النقاش لا جدوى منه ولا تأثير له على قرار إجراء الفحص. هذا ما ذكره الباحثون في نتائج الدراسة.

الموضوع لا يحتاج إلى تعليق يتضمن ضرورة التزام الطبيب بالشرح والتوضيح لمريضه، ولا يحتاج إلى تأكيد ضرورة أن يترك اتخاذ القرار بالاتفاق ما بين الطبيب والمريض. ولكن ما هو بحاجة إلى توضيح التالي من الحقائق التي يدركها الأطباء جيدا. وهو على سبيل الذكر لا الحصر، ما تذكره المؤسسة القومية للسرطان بالولايات المتحدة أنه وخلال السنوات المقبلة من أعمار المرضى الذين خضعوا في عام 2007 للأشعة المقطعية، من المتوقع ظهور نحو 30 ألف حالة سرطان نتيجة التعرض للأشعة. ولا شيء خاص حصل في عام 2007 تحديدا سوى أنه أجريت الأشعة المقطعية لنحو 72 مليون شخص بالولايات المتحدة. وهناك أرقام مشابهة تحصل في كل عام، وربما أكثر.

أما لماذا هذه التوقعات، لأن هناك حقيقة بسيطة مفادها أن الجسم يتعرض لكمية كبيرة من الأشعة خلال التصوير بالأشعة المقطعية. وللتقريب، ووفق ما تذكره إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، حينما يجرى فحص أشعة الصدر العادية لإنسان ما فإن جسمه يتعرض لكمية نحو 0.02 مليزيفرت، وهي ما تعادل كمية الأشعة الطبيعية التي يتعرض لها جسم الشخص الذي يعيش بالولايات المتحدة خلال يومين ونصف اليوم من حياته العادية. ومصادر الأشعة الطبيعية هذه تأتي من الأرض والكون والجسم البشري نفسه وغيرها من المصادر. وبالمقارنة مع أشعة الصدر البسيطة، فإن كمية الأشعة التي يتعرض لها الجسم خلال التصوير بالأشعة المقطعية للبطن هي 8 مليزيفرت، أي كمية أشعة تعادل كمية الأشعة في 400 أشعة صدر عادية، أي تعادل أيضا الكمية التي يتعرض لها الشخص الذي يعيش بالولايات المتحدة خلال سنتين ونصف السنة تقريبا.

والواقع أن القصة ليست فقط هل المستشفى متقدم جدا بامتلاكه للتقنيات الحديثة والمعقدة من الأجهزة الطبية، بل هل المستشفى متقدم في معرفته كيفية استخدام هذه الأجهزة المتقدمة في معالجة مرضاه دون التسبب لهم بالأمراض والأذى؟

والأمثلة كثيرة، إذ ربما يكون المستشفى الذي يمتلك تقنيات عالية في إجراء جراحات أو علاجات متقدمة وفي تخصصات دقيقة، هو في نفس الوقت ربما لا يحسن انتقاء المرضى الذين يجب أن يتم لهم هذا العلاج المتقدم. والمستشفى الذي يمتلك الإمكانيات العالية والمتقدمة ليس بالضرورة يمتلك الأنظمة الدقيقة والمبنية على أسس علمية لضبط كيفية استخدامها ووضع معايير دقيقة لانتقاء المرضى الذين من الثابت علميا أنهم سيستفيدون منها.

ونعود للتذكير، أن هناك أمثلة كثيرة جدا لمرضى خضعوا لإجراءات علاجية متقدمة لا تجرى لهم ولا يسمح للأطباء بإجرائها لهم لو كانوا في الولايات المتحدة أو غيرها من مناطق العالم التي تضع الضوابط وتتابع مراقبة تنفيذ الأطباء لها، وتصدر مثل هذه الدراسات التي تنبه الأطباء على أي خلل في سلوكيات معالجة المرضى.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]