آه.. كم أحسد الكثير من الناس

TT

لا شك أنني احترمت وأكبرت البابا (بنديكت) السادس عشر، عندما أقدم بطوعه ودون أن يضرب على يديه أحد، وأصر على الاستقالة، وهي خطوة غير مسبوقة، ولكنها من وجهة نظري المحضة لها دلالة رائعة، يعجز عن فعلها (أجعص) رئيس من رؤسائنا العرب، رغم أنني أجزم أنه ولا واحد منهم هو أكبر من سليمان، إن لم يكن فعليا هو أصغر من الهدهد.

عموما استقالة هذا البابا الذي كان متربعا على كرسي (الفاتيكان) أعادتني للأيام الخوالي المنقرضة، عندما كنت شبه مقيم في روما، وعقدت صداقة (مصلحجيّة) من طرفي مع أحد القساوسة، وبواسطته استطعت أن أدخل وأتجول في ذلك القصر الباذخ الذي يحتوي على مئات الغرف، والمكان الوحيد الذي لم أستطع دخوله هو غرفة البابا وحمامه.

وطبيعة تركيبتي و(عقلياتي) لا تتحرج أبدا من الاندماج والتعايش والألفة مع أي إنسان مهما اختلف معي في الجنس أو العقيدة أو الرأي، بل إنني أسعى إلى ذلك كلما سنحت لي الفرصة.

والدلالة على ذلك أنني عقدت يوما ما صداقة وثيقة مع زميلة إسرائيلية كانت تشاطرني نفس (الأتيليه)، وما أكثر ما أخذت معها دروسا بالطبيعة الصامتة والطبيعة الحيّة، فلا هي انزعجت ولا أنا مللت.

وأستطيع أن أزعم أيضا أنني بهذه البادرة الحيويّة كنت من أوائل الذين طبّقوا التعايش السلمي بطريقة عملية إيجابية، حتى قبل أن يطرح الرئيس (السادات) مبادرته الشهيرة.

أعود للفاتيكان التي تعتبر أصغر دولة في العالم؛ إذ إن مساحتها لا تتعدى كيلومترا مربعا واحدا، وعدد سكانها لا يزيدون على ألف فرد، ومع ذلك فهي تعتبر من أغنى دول العالم.

ولكي أبتعد عن الأسلوب (التقريري) البارد، لا بد أن أشير إلى أخف دم بابا من الباباوات الذين مروا على تسنم ذروة الكنيسة (الكاثوليكية)، ألا وهو (يوحنا) الثالث والعشرون، الذي قال ذات مرّة: «كثيرا ما أصحو ليلا في شبه يقظة وأنا أفكر في مشكلة خطيرة، وأقرر أنني يجب أن أسأل البابا عما أفعله بشأنها، ثم أستيقظ بعد ذلك تماما، وأتذكر أنني أنا البابا».

ومن نوادره التي اشتكى فيها لأحد الصحافيين أنه قال: من أكثر الأشياء التي تربكني عندما أكون يوما في محفل أو مناسبة اجتماعية، وتدخل امرأة جميلة عارية الكتفين، وألاحظ أن أعناق الجميع وعيونهم تترك تلك المرأة وتلتفت كلها نحوي لترصد ردود فعلي، فأضطر مرغما إلى تقمصّ دور الرجل الفاضل، وهذا هو ما يحرمني من المتعة، ثم تنهد قائلا: آه، كم أحسد الكثير من الناس - انتهى.

ولا أدري عن ردود فعل بعض المشايخ، لو أنهم كانوا في مثل ذلك الموقف؟!، وخطرت أمامهم امرأة ليست عارية الكتفين، ولكنها (متبرقعة) ومكحولة العينين، لا أريد أن أتحدث عن النظرة الأولى فهي لهم ومرفوع عنها القلم، التي أفكر فيها هي النظرة الثانية، وما أدراكم ما الثانية (!!).

ولكي لا أهببها أكثر فمن اللائق أن أصمت الآن..

[email protected]