الإحباط الإخواني والترياق العراقي

TT

اعتاد الدكتور محمد مرسي منذ اختاره «إخوانه» رئيسا لجمهورية مصر العربية أن يخطب في صلاة الجمعة أو يلقي كلمة في الجمع المصلي معه عند تأدية الفريضة. ومثل هذا التقليد سبقه إليه القطب الحمساوي إسماعيل هنية الذي كان دائم إلقاء خطبة صلاة الجمعة وهو في غزة «سلطة حماس» المناكفة «السلطة الوطنية» في رام الله.

كلاهما رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية ورئيس الجمهورية المصرية الدكتور محمد مرسي المنقسمة مصر على رئاسته لجهة الظروف التي فرضت الترؤس وليس لجهة شخصه، افترضا أنهما بممارسة دور الداعية أو شيخ المسجد الذي يخطب في المصلين يمكن أن يجدا تسوية ما لجهة حكومة مقالة ورئاسة مختلف عليها. ولكن ما يتمناه الاثنان لم يدركاه، بل إن الرئيس مرسي يتعرض ومعه جماعته بمن في ذلك المرشد الذي شجعهم على الصمود ولو كره الآخرون، وعلى حملات في الصحف المصرية التي تكاثرت وتخرج صباح كل يوم على الناس بعناوين من شأن واحد منها أن يحمل الرئيس الكاظم الإغاظة على أن يرد على الاستهانات به بأشد من العقاب وبأسلوب من تلك التي قاسى أشد المرارة منها سياسيون وإعلاميون ورجال دين في عهود الرئاسات الثلاث مع تنوع أساليب الأجهزة في هذه العهود.

لكن كيف سيفعل الرئيس مرسي ذلك وهو في المقابل لا يحقق شيئا من المطالب التي لولا تفاؤل المصريين بأنه سيحققها لما كانوا منحوه بأصواتهم فرصة الفوز التاريخي. وعند التأمل في ما آلت إليه مصر منذ أن باتت في العهدة الإخوانية يرى المتابع مثل حالنا كيف أن الزمن الذي انقضى كان أفضل نسبيا من الزمن الإخواني الراهن. كذلك يتزايد منسوب التشاؤم في ضوء ما تعيشه مدن النضال المصري بورسعيد والإسماعيلية والسويس من تطورات، وفي ضوء الذعر الناشئ عن فتاوى متطرفة والانكماش المتزايد لحركة السياحة ومحاولة انقضاض بعض ذوي الثروات النفطية على إحكام الاحتواء للقرار المصري من خلال استئجار قناة السويس والآثار من الأهرامات في الجيزة إلى المعابد والنواويس الملكية وربما لاحقا إلى خصخصة السد العالي، بل وخصخصة حصة مصر من مياه النيل. فما هي من المحرمات تصبح في ضوء الذبول الاقتصادي من المحللات.

إزاء هذا الواقع غير الكريم للشخص المتربع على قمة السلطة في دولة التسعين مليونا، نجد أن الرئيس مرسي الذي يقاسي كل أنواع الاستهانة ولا علاج لمقاساته سوى الصبر الذي يداوي المصريون بمواويله همومهم، يتخذ خطوة اعتمدها سلفه الرئيس حسني مبارك، ويسبق اتخاذه للخطوة بمناشدة للمصريين الوقوف معه.

حدثت المناشدة بعدما أدى الرئيس صلاة الجمعة (أول مارس (آذار) 2013 في مسجد الفاروق وتمثلت في قوله للمصلين الذين التفوا حوله: «إنني احتاج إلى دعاء الجميع فلا تنسوني من صالح دعائكم..».. كما أنه طبقا لرواية صحيفة «الأهرام» تأثر تأثرا شديدا حتى كاد يبكي عندما قرأ الإمام قوله تعالى: «إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا». وتضيف الرواية إنه بعدما انتهى الرئيس من الصلاة وخلال خروجه هتف بعض المصلين الموجودين في المجلس: «مصر بتضيع يا ريس الحقها».

أما الخطوة التي أتبع بها الرئيس صلاته ومناشدته وتأثره إلى درجة ذرف الدموع فتمثلت بإيفاد رئيس الحكومة هشام قنديل إلى العراق يوم الاثنين 4 مارس على رأس وفد وزاري موسع ورجال أعمال ومقاولات من الطبيعي أن معظمهم من الجماعة. زيارة غير متوقعة هي الأولى منذ ثلاثين سنة، يقوم بها رئيس حكومة يتظاهر ضدها نصف مصر إلى رئيس حكومة يطالب نصف العراق برحيلها. لكن مع ذلك فإن هشام قنديل لا يغادر بالحسنى ربما لأنه محظور عليه الاستقالة، إذ كيف يستقيل فيما هنالك دعوات لاستقالة الرئيس مرسي نفسه، وإن نوري المالكي لا ينصرف لأنه أيضا محظور عليه الاستقالة ويحذر الذين بدأوا انتفاضة يغلب عليها الطابع السني بمؤازرة رمزية ومساندة كردية آنية من أن ما يحدث في العراق السني ينذر بحرب طائفية.

رغم هذه الظروف البالغة التعقيد يحاول المسؤول المصري الذي يكاد غير قادر على السير الاستعانة بالمسؤول العراقي الذي هو على أهبة عدم القدرة على الوقوف ثابتا. وتلك محاولة حدثت في زمن صدام – مبارك وكانت عبارة عن مكايدة من صدام لدول الخليج وليست نجدة تتسم بالنخوة. ومع ذلك كان العراق مستوعبا ثلاثة ملايين مصري وساهم هذا العدد في تخفيف أزمة اليد العاملة المصرية. وفي الوقت نفسه كان التبادل التجاري يصل أحيانا إلى خمسة مليارات دولار. أما الآن فليس أمام مصر أكثر من مليار دولار للتبادل التجاري.. إلا إذا كانت «مصر الإخوانية» سترتضي نوعا من التحالف مع العراق مثل ذلك التحالف الذي سبق أن استنبطه الرئيس صدام حسين في أواخر الثمانينات وقضى بإنشاء «مجلس التعاون العربي» يضم كلا من العراق المقتدر ماليا ومصر مبارك المنزوعة العضوية في الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي والمرتبكة اقتصاديا والأردن واليمن. ولقد حقق ذلك المجلس قبل أن يتناثر بعض الغرض لكنه لم يحقق إنقاذا لأحد. والترياق العراقي الحالي بالكاد يسد رمق شعب بلاد الرافدين ويسدد التزامات تكلفة استبد آل العهد الصدامي الفولاذي بالعهد المالكي الحديدي. ولا يبقى لمصر الإخوانية سوى الأدعية من النوع الذي طلبه الرئيس مرسي من جموع المصلين، وسيعاود الطلب مع كل صلاة جمعة.

أعان الله مصر وأنقذها كي لا يصيبها ما أصاب سوريا وقد يصيب العراق.