(داوم) وقت ما يحلالك

TT

الحمد لله لم أكن موظفا طوال حياتي، وبطبيعة الحال لم أكن في أي يوم من الأيام لا رئيسا ولا مرؤوسا، مقتديا بالمثل المصري القائل: (العب وحدك تصبح راضي).

غير أن لي الكثير من المعارف والأصدقاء الموظفين الذين قلمّا أجد أي واحد منهم لا يشكو لي مر الشكوى من (الدوام)، وكنت أسمعهم دائما بسعادة بالغة، (فالذي يده في الماء غير الذي يده في النار).

وقبل مدّة قرأت عن تجربة حدثت في ألمانيا منذ ما يقارب من ثلاثة عقود ألخصها لكم: بأنهم اخترعوا نظاما مرنا للعمل بإتاحة الفرصة أمام المستخدم لاختيار أوقات العمل التي تلائمه، وأدت هذه الفكرة، التي استهدفت في البداية التخفيف من ازدحام السير، أدت إلى نتائج مدهشة للمستخدمين وأرباب العمل على حد السواء.

وتلقفت تلك الفكرة إحدى الشركات الأميركية فكانت النتيجة أن انخفضت نسبة التغيب عن العمل بمقدار 50%، مما حمل الشركة على تطبيق هذا الإجراء أيضا في مقراتها الموجودة في كندا والمكسيك وبريطانيا.

وقد دلت دراسة استقصائية أجرتها رابطات الإدارة الأميركية على أن مبدأ أوقات الدوام المرنة أصبح شائعا في الولايات المتحدة إلى الحد الذي يقدر فيه أن الذين يستخدمون هذا النظام وصل إلى 13% من المصالح التجارية و6% من العمال، أي ما يراوح بين 2.5 و3.5 مليون عامل.

وقد راوحت أوقات الدوام الإلزامية في الولايات المتحدة من التاسعة والنصف صباحا حتى الظهر ومن الواحدة والنصف بعد الظهر حتى الرابعة.

والشرط الوحيد، إلى جانب الحضور في أوقات الدوام الإلزامي، هو أن يتعادل مجموع عدد الساعات التي اشتغلها العامل خلال أسبوع العمل مع المجموع الذي تتطلبه الشركة، أي 40 ساعة.

ونتيجة لذلك فقد زال التأخير في العمل، وارتفع الإنتاج، وذكر (77%) من العاملين أن معنوياتهم تحسنت جدا، وفضلا عن ذلك، هناك فوائد إنسانية أخرى لهذا النظام.

فقد أجرت دائرة المسح الجيولوجي الأميركية في منطقة واشنطن العاصمة تجربة تبين منها أن 68% من العمال قضوا مزيدا من الوقت مع عائلاتهم بفضل نظام الدوام المرن.

طبعا هناك بعض السلبيات التي لا تخلو منها أي تجربة جديدة، منها على سبيل المثال: الزيادة في استهلاك الطاقة وغيرها من الزيادة في عدد المواليد.

ومن الصعب ولا أقول من المستحيل أن تنجح هذه الفكرة في البلاد العربية، لأنها تتطلب مرونة وسلاسة ونظاما ورقيا في وسائل المواصلات، التي لا أجد مواصفاتها هذه في أي مدينة عربية كبيرة.

بقيت هناك ملاحظة لا بد من إيرادها: فقد ثبت إحصائيا وميدانيا أن الموظف والعامل العربي هو في بلاده من أقل الناس عطاء، وذلك بسبب كثرة التأخير والتزويغ والتسويف والبطء وجلب الأعذار والتحايل على الوقت.

إنني بملاحظتي هذه لا أنحو إلى جلد الذات فقط، فجلد الذات قليل عليهم، ويا ليت هناك ما هو أقسى منه لذكرته.

ولو فرضنا أن عدد ساعات العمل في اليوم الواحد هي 8 ساعات، فكم هي عدد الساعات المستثمرة، وكم هي عدد الساعات الضائعة من الموظف والعامل العربي؟!

عليكم أن تجيبوا أنتم، حتى ولو من دون (جلد ذات).

[email protected]