زياد وسلاف ولسعات الأسد!!

TT

تقلصت تماما الحدود الفاصلة بين السياسي والفني. لم يعد هناك من يشاهد المسرحية والفيلم أو يستمع إلى الأغنية ثم يصدر حكما بالقبول أو الرفض، لكنه يفتش أولا في بطاقة الهوية الثورية للفنان ليتأكد هل هو مع الشعب أم السلطة.

في العالم العربي لا يستطيع القسط الوافر من الفنانين ممارسة الإبداع بعيدا عن المظلة الرسمية التي توفر لهم الحماية، فهم مع السلطة - أي سلطة - قبل وبعد الثورة، وهكذا شاهدنا أغلب نجومنا وهم يغيرون مواقفهم في أيام لأن ثورات الربيع العربي في مصر وتونس لم تستغرق أيضا سوى أيام، فقد سارع الفنانون بتوفيق أوضاعهم سريعا لصالح السلطة الحاكمة في تونس ومصر.

حُسمت الثورات سريعا، فكان رهان الفنانين والمثقفين سريعا أيضا على الشارع، بينما في سوريا مر عامان ولا تزال هناك قوتان، الأسد والثوار، ولا يوجد فريق قادر على الحسم النهائي، ولهذا بات الفنانون السوريون يتحسسون مواقفهم خوفا من بطش الأسد، وبعضهم يتحسس موقفه خوفا من انتقام الثوار. هناك من دافع عن الأسد ولا يزال يعتقد أنه يملك الحسم النهائي، ومن أشهر هؤلاء سلاف فواخرجي التي أصبح وجودها على الخريطة الدرامية يعبر عن موقفها السياسي. في مصر اعترضوا على ترشحها لبطولة أحد المسلسلات، وعلى الرغم من أن سلاف أنكرت الواقعة وأكدت أنها عارية عن الصحة، فإن الصحيح أيضا هو أن سلاف التي كانت في السنوات الأخيرة هي أنجح نجمة سوريا في مصر، لم يعد المنتجون بعد الثورة السورية يسندون إليها أدوارا خوفا من الغضب الشعبي للشارع المصري المؤيد للثورة السورية. ومثل هذه المواقف تجد لها تنويعات مماثلة في العالم العربي.. فقبل نحو شهر كان دريد لحام النجم السوري الكبير قامة وقيمة والمعروف بولائه للأسدين الأب والابن قد طاردوه وطردوه من إحدى القرى اللبنانية عندما كان يصور هناك أحد المشاهد في مسلسل سوري، ولم يشفع له تاريخه الفني. يجب ألا ننسى أن الشارع اللبناني منقسم حول الشأن السوري، والفنان اللبناني متورط في الثورة المشتعلة على الحدود، وتلمح ذلك بوضوح مع الموسيقار زياد رحباني الذي من المنتظر أن يحضر للقاهرة للمرة الثانية للمشاركة في ختام حفل موسيقى الجاز الخامس المزمع إقامته يوم 23 مارس (آذار) الحالي بحديقة الأزهر بالقاهرة.

في زيارته الأولى لمصر قبل ثلاث سنوات طالب وقتها الشاعر أحمد فؤاد نجم بمنحه الجنسية المصرية، ولاقت هذه الدعوة تهافت وترحاب كل المصريين. كان هناك فيض من المشاعر الدافئة التي أحاطت بهذا الفنان المبدع، وأتذكر كم ضاق المكان بمريديه عندما أحيا الحفل في ساقية الصاوي. هذه المرة بدأت الدعوات تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة حفل زياد، عقابا له لأنه أعلن تأييده لبشار. منظمو الحفل قالوا إنهم سوريون فروا من هناك إلى القاهرة، والحقيقة أن الرافضين ليسوا فقط سوريين، لكن قطاعا وافرا من المصريين صدمتهم مواقفه المؤيدة لبشار. أغاني زياد دائما ضد الديكتاتور، وتدين السلطة الباطشة، فكيف يصاب بعمى ألوان وطني ويقف داعما للأسد؟.. هل هو خوف من السلطة، أم أنه الخوف من الحكم القادم في سوريا وما يحمله من توجه متطرف دينيا مثلما حدث في كل من مصر وتونس، ولهذا وقف بين المر والأمر منه فاختار المر؟!

كيف قفز مسرعا إلى نتائج الثورة ولم ينحز منذ البداية للثورة؟.. أنا واحد من عشاق إبداع زياد، وأرى أن من حقه أن يغني في مصر، لكن من حق الغاضبين أيضا أن تعلو أصواتهم تندد يسقط بشار ومؤيدي بشار، ومن يلعب بنار السياسة يتحمل لسعات الحريق!!