25 مليونا.. مرتين

TT

كان الغزو النازي لروسيا السوفياتية خليطا من جنون وعدوان وحماقة وجريمة. وأسوأ ما فيه أنه جاء - كما جاء ضرب بريطانيا - بعدما طمأن هتلر ستالين إلى الود الذي تكنه برلين لموسكو. غير أن رد الهمجية النازية كان أهم ما فعله ستالين في حياته. قاد الروس في فقرهم وصبرهم وجليدهم وعنف عنادهم، في إحدى أروع الحروب على العدوان والافتراء. جعل الألمان يدفعون ثمنا باهظا للجرم، ثم لاحقهم حتى شوارع برلين، وعلمهم أن يكرهوا الحروب، منتصرين أو مهزومين.

فقد الروس 25 مليون بشري في رد الاحتلال المجنون. لكن المس الذي ضرب هتلر سوف يصيب ستالين المنتصر. ما دام انتصر على ألمانيا فلماذا لا ينتصر على أميركا وبريطانيا وفرنسا؟ وما دام أصبح ملك الشرق فلماذا لا يصبح ملك الغرب أيضا؟ جنون العظمة كان قد أصاب نابليون من قبل. صار الملازم الكورسيكي إمبراطورا لكنه أراد العالم كله، وانتهى منفيا ومصابا بكآبة الوحدة والسقوط.

فلنعد إلى ستالين، لنره في عام 1945: رجل يشارك روزفلت وتشرشل في اقتسام النفوذ حول العالم، يعطى شرق أوروبا وفوقها نصف ألمانيا التي تجرأت على مهاجمة ستالينغراد، مدينته التي كان اسمها القيصرية، مدينة القيصر من قبل. ويتأمل ستالين خريطة الكرة فيزداد فرحا: الآيديولوجيا الشيوعية تستهوي الملايين في أوروبا الغربية. ومن أجلها يخون المثقفون البريطانيون بلدهم لكي يتجسسوا لحساب لينين وماركس، الذي كتب بيانه بلغة أدبية فائقة، في شقة فقيرة في لندن اضطر ذات يوم إلى أن يرهن ملاعقها وشوكها.

لو كنت مكان ستالين وتمعنت في هذه الخريطة، ماذا كنت تفعل؟ دعني أجيب عنك. كنت ستحمد الله وتشكره. وتدعو الشعب إلى حمد جماعي في الساحات والشوارع والبيوت. وكنت ستقول لهم، انتهت أسوأ حروب التاريخ، فلنبدأ أمجدها: الحرب من أجل ألا يشعر عجائزنا وأطفالنا بعد اليوم بالبرد أو الجوع أو ذل العوز. لن نسابق خصومنا الرأسماليين في بناء البوارج، بل في بناء المصانع والفبارك والمزارع والمصحات.

فعل العكس تماما، مثل هتلر، في موت 25 مليون روسي من مواطنيه ورفاقه. سلم أمر الروس إلى مدير مخابراته. أقام حكمه على الوشاية بدل الاحتضان. وفي الخارج طفق يحارب حلفاء الأمس، مثل هتلر ونابليون. الرجل الذي أنقذ روسيا من أسوأ حروبها انتهى اسما معيبا ممنوعا ذكره. أطلق الناس حول العالم شواربهم تمثلا بشاربيه، ثم انطلقوا في حلاقة جماعية. ماو كان، مثل جميع الصينيين، حليقا. بعدها لم يضطر أحد إلى تكثيف الشاربين أو حلقهما.