أوباما.. ضرورة التركيز على النهوض بشؤون الحكم

TT

بعد فترة قصيرة من تحقق المكاسب للحزب الجمهوري في عام 2010، حدثني سيناتور مدعوم من قبل حزب الشاي بأهدافه التشريعية، بدءا بتعديل دستوري لوضع ميزانية متوازنة تحدد الإنفاق بنسبة 18 % من إجمالي الناتج المحلي.

تساءلت: إلى أي مدى كان من المرجح أن يتم تمرير تلك الفكرة (المروعة من وجهة نظري) من قبل الكونغرس؟

أجاب السيناتور معترفا: «بنسبة ضعيفة جدا. لهذا، كنا بحاجة إلى انتخابات بالتفويض في عام 2012». وإلى أي مدى كان من المرجح حدوث ذلك؟ اعترف مجددا: «بنسبة ضعيفة جدا». لكن لم تكن لديه خطة ثانية، وبالطبع لم يكن لديه أي استعداد للتسوية في الوقت الراهن.

فكرت في تلك المحادثة، وأنا أقرأ تعليقا في صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي، في مقال للصحافيين سكوت ويلسون وفيليب روكر عن عزم الرئيس أوباما ضمان انتخاب كونغرس يسيطر عليه الحزب الديمقراطي في عام 2014.

يقول النائب ستيف إسرائيل (عن ولاية نيويورك)، رئيس لجنة حملة الحزب الديمقراطي بالكونغرس للصحافيين: «الرئيس يدرك أنه لكي يتسنى له تفعيل أي إجراء يهدف إليه، فإنه يحتاج إلى أغلبية ديمقراطية في مجلس النواب». وأضاف: «ليترك إرثا في عام 2016، سيحتاج إلى أغلبية في مجلس النواب في عام 2014، وينبغي أن يبدأ العمل في هذا الصدد من الآن».

السؤال هو: هل نحن على استعداد لعامين آخرين، أو حتى أربعة أعوام أخرى، من تجمد الأوضاع؟! حينما تكون الأمة في حالة استقطاب شديد، يكون هناك اتجاه لتأجيل مباشرة مهام الحكم بشكل دائم حتى الانتخابات المقبلة، أو (على نحو أكثر تحديدا) نزعة لاستغلال الحكومة لا في حل المشكلات، بل في حياكة خطة بارعة للتمتع بموقف أفضل في الانتخابات المقبلة. أدلى زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (الجمهوري عن ولاية كنتاكي) بمقولته الشهيرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2010: «هناك هدف وحيد نصبو لتحقيقه، هو أن يتولى الرئيس أوباما منصبه لفترة واحدة فقط».

في الأسبوع الماضي، عرقل أعضاء جمهوريون بمجلس الشيوخ التصديق على مرشح قضائي مؤهل بشكل جيد، على نحو يوسع نطاق مجموعة مرهقة من الوظائف الشاغرة. يدشن مدير حملة أوباما السابق حملة سياسية تعد بتنظيم حملات بشكل دائم. إن إلغاء الرئيس جولات البيت الأبيض يستند إلى مبدأ «الأسوأ هو الأفضل»، بمعنى السماح بوقوع أحداث سيئة بهدف تحقيق مكسب سياسي.

غير أن أوباما يتواصل مع الجمهوريين أيضا بحثا عن اتفاق بشأن الميزانية، الآن، وليس في غضون عامين. من الصحيح أن إظهار تقبله للتسوية يمكن أن يخدم حزبه في عام 2014؛ ستحدو الجمهوريين بشكل طبيعي شكوك في تودده المفاجئ. لكن هذا النهج يؤتي بثماره من ناحيتين: الاستعداد للفوز في انتخابات عام 2014 قد يلقي بضغط من شأنه أن يشجع تقدم عملية تمرير القوانين في الكونغرس الآن، فيما يتعلق بالميزانية أو الهجرة أو الأسلحة.

بعبارة أخرى، دائما ما يكون الأمر معقدا. حتى تصريح ماكونيل المستهجن لم يكن صارخا عند تذكره. في المقابلة نفسها مع صحيفة «ناشيونال جورنال»، قال السيناتور: «لا أرغب في أن يفشل الرئيس. أرغب فقط في أن يتغير».

تظهر على السطح فكرة الانتظار حتى الدورة المقبلة، في الوقت الذي يقنع فيه كل طرف نفسه بأن الطرف الآخر يسبح ضد التيار، ويصعب التعاون معه في العمل، وربما يعرقل مسار الأمور. قبل إعادة انتخابه، أشار كثير من الجمهوريين إلى أوباما بوصفه متطرفا مهتاجا واشتراكيا على الطراز الأوروبي يجب كبح جماحه. اليوم، يصف كثير من أعضاء الحزب الديمقراطي المعارضة بأنها متطرفة بصورة غير طبيعية، وتعارض التقدم بشكل مرضي.

يجب القضاء على «الحمى»، كما قال أوباما في يونيو (حزيران) الماضي.

أتفق مع الرأي القائل إن الحزب الجمهوري قد تقدم لمسافة بعيدة نحو اليمين، وإن عددا هائلا من ممثليه يعتبرون التسوية خيانة. لكنني أرى أيضا أنه سيكون من الخطأ قبول أنه «من أجل تحقيق أي هدف، ينبغي أن يضمن أوباما أغلبية في غرفتي الكونغرس».

من ناحية، تبدو فكرة أن الديمقراطيين ربما يفرضون أجندة تستند إلى أفكار نانسي بيلوسي غريبة. في أفضل الظروف، سيجدون صعوبات جمة في انتزاع مقاعد في مجلس النواب، بالنظر لأنماط السكان في الولايات الحمراء (الجمهورية) والزرقاء (الديمقراطية). قد لا يفوزون بمقاعد في مجلس الشيوخ، وبالطبع ليس مع أغلبية 60 صوتا. وحتى في حالة ما إذا حصل الحزب الديمقراطي على عدد كاف من المقاعد في غرفتي البرلمان في عام 2015، فستظل الأمة في حالة انقسام حاد، مع احتدام المنافسة على منصب الرئيس.

وبعيدا عن السياسة، ففيما يتعلق بأكبر التحديات، ستحتاج إلى أفكار من الطرفين. إن أكثر المواقف السياسية عقلانية ليس بالضرورة أن يكون في المنتصف.

غير أنه ليس بمقدورك حل مشكلة الديون من دون تحقيق عائدات أكبر، والتحكم في تكاليف الاستحقاق. ليس بإمكانك حل مشكلة الهجرة من دون أن توفر سبيلا لمنح حقوق المواطنة للمهاجرين غير الشرعيين، وأن تضع قوانين وإجراءات للحيلولة دون دخول البلاد بشكل غير شرعي في المستقبل.

بعبارة أخرى، في نهاية المطاف، لن يكون عليك محاولة جني مكاسب والتوصل لتسوية، بل سيكون واجبك أن تنهض بشؤون الحكم. ربما يقتضي الأمر ذلك الآن.

* خدمة «واشنطن بوست»