العلمانيون على خطأ

TT

سبق أن قلت إن هذه فرصة ذهبية سنحت في مصر لوضع «الإخوان المسلمين» والسلفيين وما يرونه من حل، موضع الامتحان. وهذا ما قلته سابقا. أمامهم واحد من اثنين؛ إذا تمسكوا حقا ببرنامجهم وشعاراتهم فسيفشلون، وعندئذ يعض الناخبون أصابعهم على سوء اختيارهم. ويتضح لهم أن النهوض بالشعب وتنمية البلاد وإنقاذ الشبيبة من البطالة والجوع واجتذاب السياح والمستثمرين والوقوف في وجه إسرائيل لا يمكن تحقيقها بذلك البرنامج وذلك الحل. وكما نتوقع تصبح التجربة المصرية عندئذ منارا وموعظة لكل الشعوب الإسلامية. وتنتهي أغنية الإسلامويين مثلما انتهت أغنية الشيوعيين والاشتراكيين والوحدويين من قبل.

الطريق الثاني، هو أن يتخلوا عما آمنوا به من شعارات ويسلكوا مسلك أي حزب ليبرالي براغماتي، زعماؤه يؤدون الصلوات الخمس في مواعيدها. يتحاشون إزعاج إسرائيل أو أميركا. ويفتحون أسواق مصر لاقتصادات السوق والعولمة، ويحترمون حقوق الإنسان، وعلى رأسها حرية التفكير والعبادة. ويتركون لكل مواطن ومواطنة حرية اختيار الملبس والمأكل والمشرب وممارسة سائر الفنون، على الأقل احتراما لمزاج السياح واحتفاظا بالنخبة المهنية المثقفة. إذا فعلوا ذلك فسيتحولون من «إخوان مسلمين» إلى «إخوان علمانيين». وعلى هؤلاء أن يمدوا يدهم إليهم بالتصفيق والتشجيع. فالموضوع هو إنقاذ الشعب المصري مما يعانيه، وليس المهم من يقوم بذلك.

هذه هي الفرصة لوضع الأحزاب الإسلاموية موضع الامتحان. المؤسف أن العلمانيين واليساريين يسعون الآن لتفويت هذه الفرصة بمعارضتهم لحكومة مرسي، بل والدعوة لإسقاطها. إذا حصل ذلك فسيفلت «الإخوان» والسلفيون من هذه الكماشة. سيقولون إن المعارضة أسقطت الحكومة ولم تسمح لهم بتنفيذ برامجهم. وعندئذ سيستأنفون زعيقهم ومزعجاتهم على ما كانت عليه في الأول. وبالتأكيد سيحاولون عرقلة أي نظام جديد يتولى الحكم بما يزيد من مشكلات مصر، ولا سيما عندما يلتجئون لأساليب هددوا بها.

هذا ما أقوله. قليل من الصبر يا جماعة. افسحوا المجال لهم ليجربوا هذه اللعبة. وكما يقول الإنجليز، أعطهم ما يكفي من الحبل ليشنقوا أنفسهم. أعمار الشعوب طويلة. بضعة أشهر أو بضع سنوات لا تشكل غير نقطة صغيرة من تاريخ هذا الشعب العريق في الحضارة. وبفشل تجربتهم فشلا واضحا وقاطعا سيسدل ستار الخاتمة على هذه المسرحية التراجيدية التي عانت منها مصر حوالي عشرة عقود، ومن ورائها معظم شعوب العالم الإسلامي الأخرى.