أعياد الثأر

TT

مليء، العالم العربي، بالمناسبات. قليلها، أو نادرها، سعيد. إذن، عشر سنوات على حرب العراق، والسنة الثالثة من حرب سوريا، والسنة الأخرى من المصالحة الفلسطينية، والسنة البديعة من «النأي بالنفس» عن أحداث سوريا، في لبنان. في يوم، في شهر، في سنة. هكذا كان عنوان أغنية عبد الحليم حافظ الذي أخذ عن روائية فرنسية صاعدة آنذاك، تدعى فرنسواز ساغان. وما زالت أيامنا كذلك. في يوم، في شهر، في سنة.

ما هو القاسم المشترك في كل هذه الحروب؟ قواسم كثيرة، وإذا كان لا بد من اختيار واحد، فهو الثأر. وهو شيء مدمر لا نهاية له ولا قرار. في البداية قرر صدام حسين أن يثأر من أميركا لأنها لم تمكنه من هزم إيران. وقررت أميركا أن تثأر منه ومن إهاناته لها ومن بسط سجادة على مدخل فندق بغداد عليها صورة جورج بوش الأب، كي يدوس عليها الحجاب المحليون والضيوف الأجانب. لذلك عندما قبض عليه في حفرة، تعمد الأميركيون تصويره بينما يدقق طبيب في صحة أسنانه، كما كان يفعل تجار العبيد في أسواق روما.

كلف الثأر أميركا 200 مليار دولار. وبدورها قررت إيران الثأر من العراقي الذي تجرأ عليها، فزحفت على العراق وفككته كعقبة على الخط الذي يربطها بسوريا وصولا إلى لبنان. وبدأت حرب سوريا بثأر صغير وخاو. بدل أن تستوعب الدولة مظاهرة قام بها صبية فقراء في حوران، بلاد نائب الرئيس، أعلنت على درعا الحرب العالمية الثالثة. كل ما رأيناه، وخصوصا ما لم نره، منذ ذلك الوقت، تارات عرقية قبلية طائفية أسوأ ما فيها الشعور الفارغ بالكبرياء، بدل الشعور الإنساني والوطني والقومي، بسلامة الناس وسلامة الوطن وحياة البشر.

قيل إن أميركا ذاهبة إلى العراق من أجل نفطه. هراء. أميركا تصرفت مثل أي دولة صغيرة مكابرة. فما هي الأرباح التي ستعوض عليها 200 مليار دولار؟ خاطبها صدام حسين وكأنه يكايد أبناء الحارة في تكريت! الإمبراطورية البريطانية كانت ترسل بوارجها إلى أميركا الجنوبية لكي تقصف مهزئيها. ولم تكن تطال الذين يهربون إلى الجبال.

رجل الدولة الحقيقي ليس في قاموسه شيء يدعى الثأر. طار عقل الأميركيين عندما احتفل العراق بغزوة نيويورك في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. غسان تويني، الذي قال فوق نعش ابنه: إنها ساعة الصفح، لم يصفح ولم ينس قول مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة فيصل المقداد: هل كلما قتل كلب في لبنان تتهمون سوريا؟

القانون، دوليا أو محليا، هو التحكيم. شرطة درعا لم تكن تدافع عن القانون، بل عن العجرفة. صدام حسين لم يكن يدافع عن العراق بل عن صورته في حارة تكريت. جورج بوش الابن كان يثأر من تصرفات صبيانية، فإذا كل شيء يتحول إلى مأساة وتارات بلا نهايات.