كوريا الشمالية وثمن الصبر

TT

لقد وصف نهج إدارة أوباما تجاه كوريا الشمالية بأنه «صبر استراتيجي». وقد يكون مآل تقييم أكثر دقة للسياسة الأميركية «الفشل». لقد نوعت الإدارة نهجها مع كوريا الشمالية على مدى أربعة أعوام ما بين التودد والتهديد دون أي تأثير ملحوظ.

فيما يلي ملامح الفشل: منذ تولي الرئيس أوباما منصبه، أجرت بيونغ يانغ الكثير من الاختبارات الصاروخية واختبارين للأسلحة النووية، كان آخرها يوم 12 فبراير (شباط). وعندما حاول المجتمع الدولي مساءلة بيونغ يانغ، أصبح النظام أكثر غرابة بكثير عن ذي قبل.

جاء آخر فعل طائش لكوريا الشمالية هذا الأسبوع، عندما خرقت الهدنة التي امتدت على مدى ستين عاما والتي أنهت الحرب الكورية وقطعت خطها الساخن مع القوات الأميركية في الجنوب. كانت تلك هي وسيلة بيونغ يانغ للاحتجاج على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الصادر بالإجماع بفرض عقوبات جديدة بعد الاختبار النووي الشهر الماضي. ربما كانت أيضا وسيلة لإنهاك قوى الرئيسة بارك جيون هاي التي تولت المنصب قبل أسبوعين.

ما الخطوة التالية لسوء الحظ؟ يتمثل الشيء الوحيد المتوقع إزاء كوريا الشمالية في أسلوبها العدائي. لقد اضطلعت بيونغ يانغ بالكثير من أعمال العنف في الأشهر الأولى بعد تنصيب أول رئيس كوري جنوبي منذ عام 1992، بحسب فيكتور تشا، الخبير في الشؤون الكورية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

ما الذي يحدث حينما تبوء الجهود الدبلوماسية بالفشل؟ تلك هي أكثر المشكلات المزعجة في العلاقات الدولية، وهو سؤال تطرحه على السطح الآن كوريا الشمالية: كيف يجب أن يستجيب المجتمع الدولي حينما تتجاهل دولة ما بشكل دائم الخطوط الحمراء؟ وما الخيارات السياسية المتاحة عند نفاد الصبر في نهاية المطاف؟

وجه توم دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، عبارات حادة مؤخرا لبيونغ يانغ في خطاب ألقاه يوم الاثنين أمام الجمعية الآسيوية قائلا: «لن تقبل الولايات المتحدة كوريا الشمالية كدولة نووية، ولن نقف مكتوفي الأيدي في حين تسعى لبناء صاروخ نووي يمكن أن يستهدف الولايات المتحدة». ولكن ماذا تعني هذه اللغة؟ إن كوريا الشمالية دولة نووية بالفعل، كما أنها تعكف على تطوير قذائف صاروخية يمكن أن تشن من خلالها هجوما على الولايات المتحدة باستخدام رؤوس حربية صغيرة.

وأكد دونيلون قائلا: «سيكون على كوريا الشمالية تغيير مسارها». وإن لم تفعل ذلك، فسوف تواجه المزيد من العقوبات وخطوات دفاعية أميركية جديدة تهدف إلى مواجهة «تهديد خطير للولايات المتحدة وحلفائها». ولكن ماذا لو لم تذعن كوريا الشمالية للتهديد؟ سوف تتمثل إحدى النتائج في سياسات دفاع أكثر عدوانية من جانب كوريا الجنوبية واليابان، على نحو يزيد من تعقيد الوضع الأمني في آسيا. إن مشكلة كوريا الشمالية مروعة نظرا لأن قيادتها يبدو أنها تزداد تقلبا بمرور الوقت. إن كيم جونغ يون، القائد الجديد، سرعان ما وطد أركان سلطته بعد وفاة والده، كيم جونغ إل، في ديسمبر (كانون الأول) 2011، بحسب الاستخبارات الأميركية. غير أن بعض المحللين الأميركيين يرى أن نهج الرئيس الجديد يبدو أكثر مفاجأة واستفزازا من والده.

عبر إدارتين، تمثلت استراتيجية الولايات المتحدة الأساسية تجاه كوريا الشمالية في السعي لدعم الصين في احتواء هذه القوة المزعزعة للاستقرار في شمال شرقي آسيا. لكن هذه السياسة أيضا قد أخفقت بدرجة هائلة، ويجب أن ينفد صبر الولايات المتحدة. ومع ثبات كوريا الشمالية على نهجها بشكل محبط، عجزت الصين عن الارتقاء لمستوى مسؤولياتها كقوة عظمى إقليمية. إنها لا تحب الكوريين الشماليين المتقلبين، لكن من الواضح أنها تمقت بصورة أكبر اتخاذ إجراء لكبح جماحهم.

هل سيرفع رئيس الصين الجديد، شي جينبينغ، مستوى لعبة بكين من خلال التعامل بشكل أكثر عداء مع كوريا الشمالية؟ يرى بعض المحللين إشارات دالة على تشديد الصين موقفها في المقالات الأخيرة التي نشرت في الصحيفة المكتوبة باللغة الإنجليزية التي تملكها صحيفة «بيبولز ديلي» الرسمية. علاوة على ذلك، فإن شي جينبينغ يشكل أيضا فريقا يضم يانغ جيتشي، وزير الخارجية، ووانغ يي، خليفته في منصب وزير الخارجية، الذي يعتقد أنه يفضل إجراء مفاوضات حسم مع بيونغ يانغ، مثل المحادثات سداسية الأطراف التي جرت في الفترة من عام 2003 إلى عام 2009. كذلك، ينظر إلى حقيقة عمل الصين عن كثب مع الولايات المتحدة في صياغة آخر قرار عقوبات من جانب الأمم المتحدة بوصفها إشارة إيجابية.

ويشير بعض المراقبين لكوريا منذ وقت طويل إلى أن كيم يوجه تصريحات تهديدية لجذب الانتباه، وأن واشنطن عليها الرد عليه. يقول جوزيف ديتراني، المبعوث الخاص السابق للتفاوض مع كوريا الشمالية: «حتى لو لم نكن قد وصلنا إلى طريق مسدود، يجب أن يكون هناك حوار».

لكن عندما تقوم دولة بتطوير أسلحة نووية يحتمل أن تستخدم في مهاجمة أراض أميركية وعندما ترد صحيفة حزبها على العقوبات المفروضة بالمطالبة بـ«نهاية حاسمة»، تحتاج الولايات المتحدة إلى خيارات تتجاوز الجهود الدبلوماسية والتهديد بفرض المزيد من العقوبات من جانب الأمم المتحدة. من ثم، فإن من المطمئن أن البحرية الأميركية تجهز دفاعات من الصواريخ الباليستية في المحيط الهادي، وأن لديها هيمنة كاملة تحت الماء، بحيث يمكنها أن تهدد أي عدو في آسيا على الفور.

إن الاعتماد على كبح جماح كوريا الشمالية لم يكلل بالنجاح حتى الآن. قد يكون من الأكثر حكمة افتراض الأسوأ والتخطيط له بالتبعية.

* خدمة «واشنطن بوست»