إخوان يوسف!

TT

يسيطر فكر الإخوان المسلمين على عدد من الحكومات العربية اليوم، أو تخضع حكومات أخرى لشهيتهم السياسية؛ مداراة أو محاباة.. من هنا، فإن أي نشرة أو كتاب يحمل الاسم، فلا بد أن يكون مغريا للتعليق عليه، من أجل المعرفة والفهم. لذا، فإن كتاب «من داخل الإخوان المسلمين» الذي ألفه يوسف ندى، وهو الملياردير الإخواني ذائع الصيت، مع كاتب غربي هو دوغلاس تومسون، لا بد أن يتوقف أمامه المتابع ليسبر غور الأفكار المسطرة في هذا الكتاب.

ما قرأت لم يصبني بالحيرة فقط، ولكن بالقلق أيضا، إذ إن الرجل (يوسف) الذي بسبب اشتراك دوغلاس في صياغة الكتاب، قدم عرضا مقروءا، حيث اعتمد الأخير منهجا سلسا في عرض الأفكار. ما سوف يأتي هو قراءتي لهذا الكتاب المهم في موضوعه، الذي قد يضيء على الطريقة التي سوف نشاهدها في المستقبل القريب، نتيجة تأثير تلك الأفكار على الحكومات الجديدة وعلى الشعوب. يوسف ندى يقدم نفسه على أنه وزير خارجية جماعة «الإخوان» وهم في المعارضة والشتات، كما تصفه الأدبيات والمؤسسات الدولية بأنه «مُمول الإرهاب العالمي» بصرف النظر عما يصف نفسه به أو يصفه به آخرون، إلا أن نشاطه السياسي - كما يدون - قد امتد من العراق حتى اليمن، ومن الجزائر حتى أفغانستان في العقود الأربعة الماضية على الأقل. الإشارتان اللتان تكررتا في الكتاب ويمكن اعتبارهما إشارات مفصلية، هما: أولا، أن هناك أسرارا أخرى كثيرة لم يستطع البوح بها، سوف تذهب معه إلى القبر، كما قال. والثانية، أنه لم يتحرك على الساحة السياسية الدولية والشرق أوسطية إلا بقرار ومباركة من «الإخوان»، ومن المرشد العام (أيا كان) على وجه التحديد.

لقد بدا أن هناك خلطا بين السياسة وجمع المال لدى السيد يوسف لا تخطئه عين مدقق عند قراءة الكتاب.

التفاصيل في الكتاب كثيرة ولها علاقة مباشرة بما يحدث حولنا، لذلك أنبه أن العرض هنا لإثارة الانتباه وليس للاستغناء عن القراءة المدققة للكتاب.

يفتتح الكتاب بعرض لمأساة «الإخوان» مع عبد الناصر، وكيف أصبح يوسف ندى الشاب ابن الثالثة والعشرين القادم من أسرة فوق متوسطة في مدينة الإسكندرية يعمل ربها في صناعة الألبان، متهما غير معروف التهمة في سجون عبد الناصر القاسية، يمضي فيها سنتين.. تعذيب عبد الناصر لـ«الإخوان» ليس جديدا، ولكن الجديد - على الأقل لكاتب هذه السطور - أن هناك تلميحا بأن «الإخوان» هم من حموا ثورة 1952 الناصرية، لقد عرفوا بها قبل أن تقع وقدموا الحماية أثناء تنفيذها.. يقول: «لقد وصلنا إخطار مسبق بقيام الثورة»! مما يستنتج من ذلك أن عبد الناصر قد «سرق الثورة» واستمرت السرقة ستين عاما، وما حدث بعد «25 يناير (كانون الثاني)» 2011 ما هو إلا عودة «الابن الضال إلى أبيه الشرعي»! ولو أنه يشير إلى أن «الإخوان» في 25 يناير سمحوا لبعض الأعضاء بالاشتراك؛ بصفتهم أفرادا خوفا من بطش النظام.

تحول يوسف إلى التجارة بعد عام 1960 واحتضن، كغيره من حكومات لها ثأر ما مع عبد الناصر، فحصل على جواز سفر تونسي، من بين جوازات سفر أخرى، وتداخل العمل التجاري مع السياسي. يخرج يوسف في الأيام الأولى لثورة القذافي متخفيا في سفينة شحن أوصله إليها طبيب من السيخ، بعد تكوين الثروة الضخمة في ليبيا من بيع الإسمنت، ثم لا يتردد في أن يصف المحيطين بالرجل العجوز السنوسي بأنهم جميعا من الفاسدين الجبناء، عدا شخص واحد، حدث أنه من «الإخوان»!

الأكثر لفتا للنظر تداخل عمل يوسف مع الإيرانيين، الذي يبدو أنه شكل فرصة تجارية ليوسف ونافذة لما يمكن أن يحدث للإسلام السياسي في الشرق الأوسط في مستقبل الأيام، إلى درجة أن إدارة كارتر، كما يقول، طلبت رسميا من المرشد العام لـ«الإخوان» التدخل لدى الإيرانيين لإطلاق سجناء سفارتها في طهران، الذين تم احتجازهم في عام 1979. جهود المرشد ويوسف لم توفق لأن الأميركان قد غيروا رأيهم. اهتمام يوسف بإيران استمر ونما، وقام بمساعدة إيران الثورية عن طريق مدها بالصُلب والقمح، ثم توسع إلى أفغانستان حيث ساهم في إرسال أطباء ومتطوعين؛ بل والتوسط بين جماعات المجاهدين المتنافرة، وكان لمحطة طهران الأهمية لديه لولا بروز بعض الظروف، على الرغم من خدمات يوسف للإيرانيين، لما طلب منهم التوسط لإطلاق أطباء مصريين من «الإخوان» اختطفتهم إحدى الميليشيات الشيعية الأفغانية، فإنهم عادوا إليه برأي قائدهم: «أنتم الإخوان أغنياء وعليكم أن تدفعوا الفدية! ثم انحلت المشكلة من عند الله، كما يقول؛ «إذ هبت عاصفة رملية وفر الخاطفون.. وتمكن الإخوان الأطباء من الهرب».

لعلي أحتاج إلى أن أقدم للقارئ فقرة مما كتب في دوره بصفته وسيطا ممثلا لـ«الإخوان».. يقول: «قمنا بأدوار كثيرة ونجحنا فيها على الأغلب، مع الأكراد، وفي العراق، وفي إيران واليمن وماليزيا وتركيا وسوريا ولبنان والجزائر وأفغانستان وباكستان وروسيا والصين.. إلى آخره». ذكروني هل بقي مكان لم يتدخل يوسف وإخوانه فيه!! الطريف مشهد يوسف مع صدام حسين عام 1990 عندما أراد التوسط.. قال إنه ذهب إلى الأردن للدخول إلى العراق، فأخبر أن الموعد لم يحدد مع صدام حسين، فعاد أدراجه، لأنه لا يقبل أن يبقى في بغداد لأجل مفتوح، طبعا رضخ العراقيون بعد أيام، ودعي يوسف إلى مقابلة صدام حسين، الذي نقل - من وجهة نظره - حله لاحتلال الكويت بأن تشكل «قوة إسلامية بما فيها إيران» من أجل أن تحل مكان القوة العراقية في الكويت! هذا الفصل السادس من الكتاب فيه من المضحك المبكي الكثير! و«أكدت لصدام (كما قال) أن (الإخوان) ضد التدخل الأجنبي)!!

لا يوفر يوسف أحدا ممن يعتقد أن لهم رأيا مخالفا له، إلا ويرميهم بالتهم، فشيخ الأزهر، الذي وبخ الإيرانيين، معين من نظام مبارك وكان عضوا في حزبه! أما كلماته تجاه اللواء ضاحي خلفان من دولة الإمارات، فقد خرجت عن اللياقة. ولا يرى يوسف (وربما إخوانه) أية ملامة في تغيير موقع البندقية، فبعد أن نعم بعطف تونس البورقيبية، كان أول من هنأ «النهضة»، القوة الجديدة في تونس، وأخذ الصور التذكارية مع قادتها، وبعد أن تاجر مع دول الخليج وكون ثروة منها، يكيل التهم لهم، ويرسل التلميحات حول بعدهم عن «الديمقراطية». أما رأيه في تجديد الفكر الإسلامي، فهو يقول: «إن علماء المسلمين لم يستخدموا عقولهم منذ القرن الثاني عشر».

لماذا كتب يوسف هذا الكتاب، بدا وكأنه يلوم النظام الإخواني في مصر حيث لم يعطه ثمرة جهده بعد طول رفقة، فلم يتحرك لإخراجه من مأزق تهمة تمويل الإرهاب التي ما زالت عالقة. كما لم يترك، ربما، له مجالا للحراك الاقتصادي الذي يرغب أن يقوم به في مصر. إن ملك الإسمنت والواسطات، يريد أن يرث ملك الحديد!!

آخر الكلام:

طبيعة البشر هي الاختلاف، وليس الائتلاف، حتى كرادلة الدين اختلفوا لفترة على من يرأسهم في روما. عبقرية البشرية أنها اخترعت مؤسسات لحل الاختلاف؛ إما بالحرب، أو بصناديق الانتخاب.. أيهما أكثر يسرا!