«قسِّم».. وسمعني!

TT

تصريح المندوب الأممي الأخضر الإبراهيمي الأخير بالشأن السوري، وقوله: إن سوريا لن تعود أبدا كما كانت من قبل، وصل إلى الكثيرين من متابعي الشأن السوري أن له معنى واحدا فقط هو أن سوريا مقبلة على «تقسيم» سياسي على أسس طائفية وعرقية واضحة. وجاء تصريح الإبراهيمي بعد يومين من تصريح على لسان مسؤول تنفيذي كبير في كردستان العراقية، الذي أكد فيه أن انفصال الإقليم الكردي عن العراق بات «مسألة حتمية». وفي وسط هذا كله كانت أطياف المعارضة الجنوبية في اليمن تعقد المؤتمر تلو الآخر لتؤكد فيها توجهها الجاد نحو الانفصال عن الشمال وإعلان استقلالها. طبعا ذلك يحدث كله ودولة جنوب السودان التي استقلت عن السودان الأم وتحولت إلى كيان حقيقي بعلم وحدود وجيش وحكومة لتؤكد لمؤيدي الاستقلال أن «طروحاتهم» من الممكن أن تلقى القبول «الدولي» ودعمه وهنا يكون بيت القصيد الذي يشجع المغامرات السياسية المختلفة وبالتالي إطلاق بالونات الاختبار بين تارة وأخرى وقياس تفاعل الرأي العام والشارع السياسي معها كما حدث في ليبيا عن مقاطعات «مستقلة» وكذلك الأمر في الجزائر. هشاشة المجتمعات المدنية وغياب منظومة الحق والحقوق وعدم وجود عهد اجتماعي واضح الملامح يحدد العلاقة بين الدول والمواطنين ويكرس فيها سلطة القانون على الجميع بعدالة وأمانة يؤدي بالتالي إلى استشراء فيروس «اللاانتماء» ويبدأ الإحساس بفقدان الأمل والتواصل مع الكيان أيا كان مسماه. والمجتمعات الهشة هي الأكثر قابلية لأن يتحقق ذلك فيها بيسر وسهولة وفعالية، فنسمع ونرى منذ عقود طويلة جدا عن حراك انفصالي في مقاطعة إقليم الباسك الواقع في إسبانيا على الحدود الفرنسية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مقاطعة كيبيك في كندا التي تفتخر بهويتها وثقافتها الفرنكوفونية، ونرى بالتالي أن كيانها لا بد أن يكون مستقلا تماما عن سائر المقاطعات الأخرى التي تهيمن عليها الثقافة والهوية الأنغلوساكسونية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى منطقة أسكوتلندا ضمن المملكة المتحدة، فأهلها يعتقدون أنهم كمنتمين للثقافة وهوية الغاليك لهم شأن ومكانة وقيمة أخرى تماما وشديدة الاختلاف عن ثقافة الإنجليز المهيمنة عليهم وبالتالي لهم حق الانفصال، ولكن كل ذلك الأمر لم يكن مقنعا للشريحة الأغلب من سكان هذه المناطق لأنهم في الأغلب يعيشون في دول ديمقراطية للقانون هيبة وللمواطن حق فيها وبالتالي تسقط حجج الانفصال لعدم وجود القناعة الكافية من النواحي السياسية وحتما كذلك الأمر بالنسبة للحجج الاقتصادية.

الأكراد في العالم العربي لديهم إحساس بالظلم والغبن لأنهم يعتقدون بعد سقوط الدولة العثمانية أنه كان من المفروض أن يستفيد ثلاثة أطراف فيها، حصل العرب على دولهم وقد كان لهم ما أرادوا بدول كثيرة متعددة، وإسرائيل التي أنصفها الغرب بمنحها دولة على أرض من ضمن أراضي الخلافة العثمانية، وضاعت حقوق الأكراد تماما وهضمت، وبالتالي هم الآن لديهم قناعة تامة بأن هذه هي فرصتهم للحصول على «دولتهم». ما ينطبق على الأكراد حتما سينطبق على الدروز والشيعة والعلويين والمسيحيين والأمازيغ. التقسيم هو الفزاعة السياسية الكبرى القادمة. إنه عصر الخرائط الملتهبة والحدود المضطربة والأعلام المتبدلة.

[email protected]