الروايات الآتية من الخليج

TT

أتصفح – ولست أقرأ - رواية جديدة من الخليج، تحمل عنوانا مثيرا وتوقيعا نسائيا، ومطبوعة أكيدا في بيروت، ليس همي أن أنتقد هذه الموجة من الإباحيات، ولكنني أريد أن أعرف، بكل صدق، هل لها أي قيمة أدبية أم أنها مجرد إباحيات سطحية بلا هدف أو مؤدى سوى الرغبة في البيع والشهرة؟

الظاهرة الأولى أن الأسماء لا تتكرر. كل روائية لها عمل واحد ثم في أمان الله. إما أن الكتاب قد أفضى إلى زواج سعيد، يحرِّم فيه الزوج هذا النوع من الأدب، أو أن المؤلفة سَئمت تصليح الأمة وموقفها من الجنس. وأتمنى التوضيح بأنني لا أعاني من ازدواجية في الموقف من أوضاع المرأة وحقوقها وموقعها في نفسي، أما وزوجة وابنة حبيبة. كل ما أريد هو عدم الخلط بين الإثارة المرصوفة بلا أي موهبة والعمل الأدبي الحقيقي. وهذه ليست ذكورية فارغة ولا رجعية وإنما هي عرض على سمعتين: المرأة والأدب. بريطانيا كانت تشكل لجانا تضم كبار الأدباء والشعراء ليقرروا في الأعمال الممنوعة: أدب أم إباحية؟

اللجان كانت تضم أسماء مثل تي. إس. إيليوت والكتب كانت تضم عناوين مثل رائعة جيمس جويس «يوليسيس»: هل القصد جنسي أم أدبي؟ نحن في بيروت مررنا – بطبيعة الحال – قبل الخليج بنصف قرن – إلى جانب أشهر مسلسل عربي حتى الآن، متجاوزا نور الشريف أو المسلسلات التي قام ببطولتها يحيى الفخراني، الطبيب الذي أبهج الشاشة المصرية وأعاد إلى الدراما الكثير من الاعتبار. لست ناقدا فنيا وأنا متابع سيئ وغير منتظم، وبالتالي فإن آرائي في هذا الحقل، شخصانية وناقصة. لكنني أردت القول: إن فكرة المسلسلات التي أنجحت التلفزيونات صناعة مثيرة بدأت بالمجلات وانتقلت للأدبيات، وظهرت أسماء نسائية غير قادرة على تركيب جملة خالية من أصوات السرير. وكان هذا يدرج تحت عناوين حقوق المرأة ونضالها. ثم اختفت الظاهرة كما بدأت. وبقيت صاحبات القيمة الأدبية والإنسانية. وما زال يعاد إلى الآن طبع كتاب ليلى بعلبكي «أنا أحيا» الذي صدر عام 1959، يوم كانت السمراء الجنوبية سكرتيرة في مجلس النواب. لا يزال الكتاب كلاسيكيا، مع أن زمنه قد تغير كثيرا ومناخه السببي لم يعد قائما. لكن الجماليات هي التي تحدد مصير العمل الكتابي. ولا نزال نقرأ جين أوستن وكوليت وأنا أحمدوفا، صاحبة «أرض ليست وطني، لكنها أرض ذاكرتي». أتمنى للمرأة العربية أن تمضي في عالم لم يعد حكرا على الرجال منذ أن اخترقت الخنساء عالم المعلقات. ويسعدني أن أقرأ سعاد الصباح وسناء البيسي وسكينة فؤاد وإميلي نصر الله، أو العودة إلى فدوى طوقان ولميعة عباس عمارة. وأتمنى أن يقدر غيري كما أقدِّر أفضال سلمى الخضراء الجيوسي على الأدب المعاصر. وليس تعصبا للأدب الفلسطيني ولكن أيضا سميرة عزام وسحر خليفة. وأمنية أخرى: أرجو أن يعلو اسم الكاتبة الخليجية في عمل لا شك في أهميته. ولا يعني ذلك أنه لا يحق لها التعبير عن تجاربها الإنسانية. لكن للآداب سبلا كثيرة، الإباحية ليست في ضروراتها على الإطلاق. اسألوا إيليوت، شاعر الحداثة.