سيدتي غنيمة

TT

ثمة أشياء لا ننساها. نحن الذين رافقتنا الكويت في مطالعها الجميلة. يوم كانت، بعد، تراميات في الصحراء وتزهر الزهر النادر. وكانت لها أوليات في الصعب والخصب؛ أول دولة تعمل بالدستور، وأول دولة تنشئ صندوق استثمار للأجيال (سيادي)، وأول صحيفة ومجلات في الخليج. وكانت هناك أيضا إلى بديعة في الحسن المجتهد: أول شاعرة وكاتبة من الأسرة الأولى، سعاد الصباح، وأول سيدة أعمال في الخليج، سعاد الحميضي، وأول صحافية في المنطقة، غنيمة المرزوق، التي غابت عنا قبل أيام.

إليك هذه المعلومة السرية: إذا أردت أن تعرف في الكويت مَن كان الراحل، اقرأ إعلانات التعزية. هذه لائحة ببعض المعزين، كما نُشرت في «القبس»: «مجلس إدارة لجنة التعريف بالإسلام». «مجلس إدارة بيت عبد الله». «جمعية الإصلاح الاجتماعي، الرحمة الملكية». «جمعية صندوق إعانة المرضى». «كلية الآداب وقسم الإعلام، جامعة الكويت». «بيت الزكاة»، وكل ما تشابه من بيوت ومؤسسات الخير والرفعة ومكارم الأخلاق.

أسست غنيمة المرزوق في الكويت الشابة لمدرسة ناجحة خلاقة وخلقية، في صحافة الكويت: اللاتي خرجن عنها، سقطن، بلا أسف من أحد، فيما تخرج الكويت العالية برمتها في وداع السيدة التي انتصرت لتقدم المرأة من دون أي تعدّ على عالم الرجال. ومن دون ادعاءات فارغة وتكبر فراغي. وأطال الله في أعمار سيدتي سعاد الصباح، وسيدتي سعاد الحميضي، وسيدتي فاطمة حسين، ومن هن في مثل علوهن، أمهات أولا، مجتهدات رائعات. ولن أنسى لسعاد الصباح يوم كنت في «الأنباء»، اتصالها لتتمنى أن نبقي الجريدة مفتوحة حتى تنتهي من مقالتها عن مؤتمر «أوبك»، وبعدها يأتي المقال بخط يدها، وكأنها مراسلتنا في لندن. وكم شاهدتها بعد ذلك في جنيف أو لندن، تحضر مؤتمرات «أوبك» في الصفوف الخلفية، ومعها دفترها وقلمها تدون كلمات الخطباء.

أدعو لكم جميعا بطول العمر وهناءة البال. ومشاعري الحارة إلى فيصل المرزوق ومهدي المرزوق، وأبناء الراحل العزيز خالد المرزوق.

مرت غنيمة المرزوق كنسمة وبلسمة في عالمي المرأة والصحافة النسائية. وعاشت كمصباح في عالم البرّ والخلق والإحسان. ويوم تُذكر المرأة العربية، أمس واليوم وبعد اليوم، تضيء ذكراها لائحة الخير والزكاة والخلق العاطر.