مسألة مزاج

TT

في مستهل القرن العشرين، هزت اليابان، هذه الدولة الشرقية في أطراف آسيا، مسامع العالم عندما استطاعت أن تنتصر على روسيا القيصرية وتدمر بأسطولها الناشئ الأسطول الروسي الجبار في معركة فلادفستك. أصبح ذلك النصر مصدر وحي لسائر المفكرين في عموم الدول الآسيوية، بما فيها الدول العربية. إذا كانت هذه الدولة الآسيوية الصغيرة تستطيع النهوض والانتصار على القوى الأوروبية، فلمَ لا نحتذي نحن حذوها؟ حتى شعراؤنا انطلقوا يتغنون بذلك النصر:

* أنا يابانية لا أنثني - عن مرادي أو أذوق العطبا

* حفظنا هذا القصيدة في المدرسة. ولكن، وكما نجد اليوم، وكما نتوقع، لم يزدنا النصر الياباني إلا الإشادة الشعرية به. لم يحركنا للتعلم منه. إنها مسألة مزاج. نحن أمة شعر، وهم أمة فعل. وبوحي ذلك شاعت مؤخرا هذه التقليعة في دنيا الظرف السياسي.

قالوا، إذا قلت لمواطن ياباني، هذا عمل صعب يقوم به آخرون. تسمعه يجيبك ويقول، إذن فأنا أيضا سأقوم به. وإذا قلت له، هذا عمل عجز الآخرون عن القيام به فسيجيبك ويقول: هذا تحد رائع! سأريهم كيف سأستطيع أنا القيام به.

مضى الظرفاء فقالوا: ولكنك إذا سألت مواطنا عربيا وقلت له: هذا عمل يقوم به الآخرون. فسيجيبك ويقول: وعلى إيش أتعب نفسي! خليهم يقومون به. وإذا قلت له هذا عمل عجز عن القيام به الآخرون، فستسمعه يجيبك قائلا: «الله! يعني كل خلق الله ما قدروا يعملوه، وأنت تريد مني أنا أن أقوم به؟».

ينطبق هذا الموقف على جل تصرفاتنا الشخصية والعامة. الموقف الوحيد الذي ترى فيه المواطن العربي ينتفض ويشمر عن ذراعيه ويصبح رجل فعل وعمل هو عندما يسمع أن إحدى محارمه قد «خرجت عن الطريق». يحمل خنجره وينطلق ليقوم باللازم، ثم يعود للمقهى ويواصل لعبة الطاولة.

تعطينا الجامعة العربية خير تجسيم لذلك المزاج السلبي الاتكالي. منذ نشأتها في الأربعينات ونحن نسمع منها هذا الموقف في كل فضائياتنا العربية. كلما طرحت مسألة جاءنا الجواب بأن الدول الكبرى تنظر في الموضوع. وها هي منذ أشهر تكرر نفس الموقف حيال قضية سوريا. تقول لهم: الآخرون يبذلون جهودا لحل هذه المشكلة. يجيبونك قائلين: مليح! دعهم يقوموا بذلك. وعلى إيش نتعب روحنا.

تمر الأشهر فتقول لهم: عجز الآخرون عن الاتفاق والوصول إلى أي حل للمعضلة. يجيبونك قائلين: ويعني كل هالدول الكبرى بأساطيلها وطياراتها عجزت عن حل المشكلة وأنت تريد منا، نحن الغلابة في الجامعة العربية، أن نقوم بالمهمة؟