لا جديد في زيارة أوباما للمنطقة

TT

قبل التساؤل عما ينتظر من زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل والمنطقة، لا بد من التوقف قليلا عند سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ دخول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، ولا سيما بعد اندلاع الربيع العربي.

لقد أمل الفلسطينيون والعرب كثيرا في رئاسة باراك أوباما بعد خطابه في القاهرة. ولكن هذه الآمال راحت تتبدد تدريجيا لتصل إلى حد غياب واشنطن غيابا شبه تام عن عملية السلام، فسره البعض بأنه تراجع من قبل الرئيس أوباما أمام نتنياهو واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، خشية خسارة الأصوات اليهودية في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفسره آخرون بأنه نتيجة قناعة جديدة لدى الإدارة الأميركية بأن السلام (والديمقراطية) في الشرق الأوسط لا يفرضان فرضا على شعوبه وحكوماته.

في الواقع لم يكن هذا «النأي بالنفس» من قبل البيت الأبيض منفصلا عن المنحى الجديد للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الأخطاء والكوارث التي زج الرئيس بوش بلاده فيها، وكانت أبرز عناوينها الانسحاب من العراق وتحديد موعد للانسحاب من أفغانستان، والتوقف عن التدخل العسكري في الخارج، ومحاربة الإرهاب بأساليب جديدة (التصفيات الجوية والمخابراتية). وجاء «الربيع العربي» ليكشف أكثر فأكثر عن هذه «الانعزالية الأميركية الجديدة» التي لم تجد واشنطن في تبنيها أي إحراج من جراء الانتقال من تعاونها مع الأنظمة السلطوية العربية التي أسقطتها الشعوب، إلى إعلان استعدادها للتعاون مع الأنظمة الحاكمة الجديدة، إسلاموية كانت أم نيوديمقراطية. لا سيما أن هذه الحكومات لم تبرز عملية السلام أو القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماتها.

إن السلام الحقيقي في الشرق الأوسط يخدم المصالح الأميركية والأوروبية بل والعالم أجمع. رغم أن أهميته النفطية تراجعت مؤخرا بعد الاكتشافات النفطية والغازية الجديدة في الولايات المتحدة والتي تجعل منها دولة مصدرة لمصادر الطاقة هذه، لا مستوردة. ونظرا أيضا لبروز صراعات في المنطقة غطت على الصراع العربي - الإسرائيلي ونعني الصراعين الإيراني - العربي والسني - الشيعي. وأيضا لأن العالم العربي، بعد الربيع العربي، دخل في دوامة من النزاعات والتجاذبات والتمزق، تغني إسرائيل وغير إسرائيل، عن التدخل في شؤونه و«اكتفاء شر» حكامه. ويجب ألا ننسى الحرب الأهلية في سوريا التي امتزجت بحرب باردة جديدة بين الشرق والغرب وبالمشروع النووي الإيراني.

بعض المحللين السياسيين باتوا مقتنعين بأن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الربيع العربي وتعثره على أبواب دمشق، باتت مرهونة بصفقتين شاملتين: مع روسيا ومع إيران، بالإضافة إلى ما توصل إليه حكام إسرائيل من قناعات سياسية مصيرية. فإسرائيل لم تكن يوما - وبسبب الحالة النزاعية العربية - أقدر على إقناع واشنطن بمصلحتهما المشتركة، مما هي عليه اليوم. ولا كانت الولايات المتحدة مطلقة اليدين في تقرير سياستها مثلما هي اليوم بعد أن بعثر الربيع العربي صفوف العرب والمسلمين وعلق المصير العربي على علامات استفهام كبيرة.

إن الملف الساخن في الشرق الأوسط لم يعد قضية السلام بين العرب وإسرائيل، بل مآل الحرب الأهلية في سوريا. وقد يكون من الصعب على واشنطن التدخل عسكريا مباشرة أو عبر حلف الناتو كما فعلت في البوسنة أو ليبيا، وقد تجد طرقا أخرى للضغط على النظام السوري أو لدعم الثوار. ولكن من الصعب جدا عليها وعلى الغرب الوقوف مكتوفي الأيدي أمام تحقق مشروع الهلال الإيراني - الشيعي - النووي الممتد من باكستان إلى لبنان. اللهم إلا إذا نجحت إسرائيل في إقناع واشنطن بأن مصلحتهما المشتركة تقضي بترك العرب والمسلمين يتقاتلون شيعة وسنة، عربا وفرسا وأكرادا وأتراكا، والاكتفاء ظاهرا بالحياد والنأي بالنفس، وسرا بالنفخ على مكامن وأسباب الفروقات والنزاعات بينهم.

إن أي حل سياسي يوقف سفك الدماء وهدر ثروات وطاقات الشعوب والدول العربية والإسلامية، يبقى أفضل من استمرار انزلاقها على منحدر مجهول القرار. ولكن هل توصلت واشنطن إلى تصور هذا الحل؟ وهل هي مستعدة لفرضه على الأطراف المتنازعة ولإقناع العواصم الكبرى ودول المنطقة وإسرائيل خصوصا بتبنيه؟ أم أنها ستتركها تحطم بعضها البعض، اليوم في سوريا، وغدا في بلد عربي آخر؟

إن الرئيس الأميركي سوف يجدد في تل أبيب دعم بلاده المطلق لسلامة إسرائيل وأمنها. كما سيطمئن الأردن على دعمه لسياسته. وسيطمئن الرئيس الفلسطيني على دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني في وطن ودولة. ويعد الحكم المصري الجديد بالمساعدة. وكل هذه الوعود ليست جديدة. أما ما تطلبه هذه العواصم منه، فشيء آخر أو أكثر. شيء لا يريد أو لا يستطيع تقديمه.