نوروز تركيا.. بنكهة جديدة هذا العام

TT

كلما اقترب موعد 21 آذار في تركيا يوم احتفالات نوروز الذي يصر أكرادها على ربطه بيوم ولادة الربيع الجديد الموعود بالمزيد من الحريات والديمقراطية والاعتراف بالهوية الكردية في البلاد استنفرت القوى السياسية والأمنية في المدن المعروفة بغالبيتها الكردية لقطع الطريق على أي تطور قد يتحول إلى مفاجأة بعصيان أو تمرد يقود إلى ثورة كردية تهدد بنية تركيا السياسية والدستورية المعلنة منذ عام 1923 تاريخ تأسيس الجمهورية الحديثة التي أطلقها أتاتورك.

احتفالات هذا العام جاءت بطعم ولون ونكهة مغايرة، صور عبد الله أوجلان وبيارق حزب العمال الكردستاني وشعاراته كانت أكثر عددا. وعلى الرغم من توتر محدود في احتفالات كوجالي وأرضروم فإن مهرجانات إسطنبول ومرسين وأزمير مرت دون وقائع مهمة، الأنظار تبقى مشدودة نحو احتفالات دياربكر أكبر مدن جنوب شرقي تركيا وأكثرها كثافة سكانية كردية.

الهيئة الثالثة لقيادات حزب السلم والديمقراطية من المحتمل أن تعود من لقاء أوجلان في ايمرالي محملة بخارطة الطريق التي يقترحها على طريق الحوار مع أنقرة بعد مناقشة ردود المئات في جبال قنديل والعواصم الأوروبية التي أعطت قائدها المحكوم بالسجن المؤبد ما يريد من تفويض وصلاحية واسعة في قيادة الحوار من هناك، لكن اللافتات التي رفعت من قبل حشود نوروز تقول إن النقاشات لا بد أن تتمحور حول «وضع كردستان، وحرية أوجلان، وتوسيع رقعة الديمقراطية في تركيا».

نوروز 1993 وقف أوجلان في البقاع اللبناني حيث كانت قواعد الحزب ومخيماته ليعلن قرار وقف إطلاق النار من جانب واحد وهو القرار الذي لم يدم طويلا. هذه المرة أيضا هو الذي يقود عملية إطلاق سراح موظفين وجنود أتراك احتجزهم حزب العمال لأشهر طويلة كخطوة جديدة على طريق الحوار يصفها مراد قره يلان بأنها استراتيجية أوجلان في الطريق نحو الحل بدل التكتيك الذي نعتمده نحن ولا بد من الوقوف إلى جانب «ابو» في هذه المرحلة.

سعد الله ارغين وزير العدل التركي يقول إنه لا شيء ملموسا حتى الساعة سوى رغبة المتحاورين بمواصلة حوارهم وإن الفشل يعني إبقاء تركيا في الأجواء التي تعيشها منذ 30 عاما، لكن أكراد تركيا يطالبون أردوغان وقيادات العدالة والتنمية الذين عانوا لسنوات من التهميش والإبعاد والإقصاء السياسي من قبل العلمانيين المتشددين في القضاء والمؤسسة العسكرية أن لا يفعلوا هم ما حل بهم مع حزب السلام والديمقراطية، وأن لا يفوتوا فرصة تاريخية قد لا تسنح لهم لبناء تركيا الحديثة على أسس دستورية وسياسية وثقافية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مطالب شرائح المجتمع التركي بكافة وجوهه وتركيباته.

الأطراف المتحاورة تتحدث عن النضوج السياسي وعدم الوقوع في مصيدة الإثارة والتحريض لكن دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية اليميني يدعو حكومة أردوغان لاتخاذ قرارها بتعليق المشانق أو يطالب الناخب التركي بمنحه الفرصة التي يريدها «لسحق هؤلاء في قنديل وايمرالي». أحمد تورك نائب السلام والديمقراطية يقول لا يمكن تحقيق المصالحة من قبل طرف واحد بمفرده لا بد أن يكون هناك طرف آخر أمام الطاولة لكن صلاح الدين دميرطاش رئيس الحزب يردد أنه لو تقدمنا بهذا الاتجاه قبل سنوات لكنا أنقذنا اليوم أرواح المئات سائلا بهشلي عما إذا كان هو سائق جرافة لسحق الناس بهذا الشكل الذي يتحدث عنه.

وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كان قبل أيام في مدينة دياربكر لإلقاء محاضرة على طلاب جامعة المدينة حول البعد الإقليمي والدولي لهذا الحوار وأهميته بالنسبة للصعود التركي في المنطقة مذكرا أن دياربكر لا تحتاج لأن تأخذ أي نموذج من أي عاصمة أوروبية فهي بتاريخها وعراقتها صدرت عبر التاريخ الكثير من النماذج للآخرين.

الأطراف المتحاورة تعرف أنه كلما تقدمت في جهودها زادت الضغوطات والاستفزازات والهجمات، وأكراد جنوب شرقي تركيا الذين كانوا يمنون النفس أن يروا الرئيس التركي عبد الله غل أو رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يشاركهم احتفالات نوروز في دياربكر يبدو أنهم سينتظرون ربيعا آخر لكن التفاؤل مستمر على ضوء رسائل أردوغان خلال احتفالات ذكرى شنقله، المضيق الذي استعصى على القوات الأوروبية إبان الحرب العالمية الأولى، حيث شدد على أن دماء الأتراك والأكراد التي بدلت لون مياه المضيق هي التي أنقذت البلاد وسهلت الطريق أمام بناء الدولة التركية.