من حيث خطف منصور الكيخيا

TT

عندما بدأ الأخ القائد في إزاحة الرفاق، صار يسلم ما يتبقى من أبنائه إلى أقاربه. أحب في أحمد قذاف الدم، أنه يشبهه، خلقا وأخلاقا. وكان يرسل أحمد إلى الخارج، نموذجا للعجرفة المستفحلة والخطاب الاستعلائي. وأطل هذا على عرب أوروبا بشعر أجعد منفوش وعصا غليظة، ضخمة، أضخم من العصي التي يحملها البوابون في العصور الوسطى.

كان الأخ القائد أول مجيئه قد أصدر كتابا أخضر يمنع إرسال الشعر عند الرجال، معلنا أنها ظاهرة خنث رديء. فلما استحسن هو الشعر الطويل صار تقليدا يقلد. وشعر أحمد قذاف الدم كان تحديا للذوق العادي، مثل عصاه، مثل عجرفته، مثل لغته التهديدية.

كان رائع ليبيا، صادق النيهوم، ذا شعر كث أجعد. وكتبت ذات مرة أنه ذهب يستأجر غرفة في هلسنكي، فتحت له صاحبة المنزل الباب، مستفظعة ما ترى، وقالت مشيرة إلى رأسه: ما هذا؟! أجاب: هذا شعري. قالت: «هذا ليس شعرك. هذه مكنسة!».

أحمد قذاف الدم أضاف إلى ذلك، العصا المنفرة ذات العقد. وكان ابن عمه، القائد، يأتمنه على ما خفي من المال والأعمال. وأرسله إلى مصر، التي هي امتداد حيوي لكل ليبي. ومن هناك تم خطف منصور الكيخيا، الذي لم يتحمل الأخ القائد آراءه في أصول العلاقات مع الدول والشعوب.

صورة اعتقال أحمد قذاف الدم في القاهرة، يوم الثلاثاء، أعادت إلى الأذهان الصورة التي لم تنشر: خطف منصور الكيخيا، الذي اختفى كما اختفى من سواه، لأنه كان يشكل بديلا محتملا لمندوب الأبد ورمز الزمن العربي وصروفه. كيف لم يخرج أحمد قذاف الدم من مصر بعد تلك النهاية التي عرضها الليبيون على حصيرة في مسلخ؟ تفسيران: إما خداع الغرور، والاتكال على شبكة العلاقات التي لم يدرك أنها انتهت، وإما أنه رأى في وجهه عالما مغلقا. فهو ليس من النوع الذي يمكن أن يعيش في روسيا أو كوريا الشمالية. ولا من النوع الذي يمكن أن يتخلى عن الثروة الهائلة، أو صندوق الاستثمارات العائلية في مصر. لم يستنكر أحد في القاهرة اعتقال هذا المواطن الفخري والضيف القديم. لأن علاقات الضيف في مصر اقتصرت على نوع معين ومحدود من الناس. على أولئك الذين لا يهمهم في شيء، أن يُشاهدوا في مقهى مع صاحب العصا ذات العقد. فلم يقرب مرة مصر الاجتماعية أو الفكرية أو غير القابلة بالخروج عن لزوميات السلوك وأصول الضيافة. هذا هو الزمن الذي تعالى عليه صاحب العصا: يوم لخطف وجه سياسي ووطني نيّر مثل منصور الكيخيا في الزمالك، ويوم لإرغام ساكن الزمالك المتعالي على الخروج من دون عصاه.