دروس العراق المؤلمة

TT

منذ عشر سنوات بالضبط كنت أغطي أخبار الجيش الأميركي مع بداية غزوه للعراق. وعندما أعود إلى قراءة ما كتبته، أرى بعض التحذيرات المفيدة من الصعوبات المقبلة. مع ذلك أدين للقراء باعتذار عن خطئي في طرحي للسؤال الرئيس وهو: هل كان هناك سبب منطقي للحرب؟

إن غزو العراق لإسقاط نظام صدام حسين منذ عقد كان من أفدح الأخطاء الاستراتيجية في التاريخ الأميركي الحديث. ولن نعلم أبدا بالوضع وما إذا كان سيصبح مختلفا لو كان هناك تخطيط أفضل «لما سيحدث بعد ذلك» أو لو لم يتم تفكيك الجيش العراقي، فضلا عن الكثير من الأمور الأخرى التي لم تحدث، أم لا. الحقيقة الواضحة هي أن أميركا لم يكن ينبغي لها رمي النرد بهذه الطريقة في حرب اختيارية. وعندما أفكر في ما حدث في مأزق عام 2003 تومض في ذهني ملاحظتان لصديقين من العرب. وكانت واحدة من الملاحظتين لصديق لبناني شيعي دعم حرب العراق شريطة تمتع أميركا بقدرة على الحسم كافية لإنهاء ما بدأته. وقال صديقي: «إذا كانت روما قوية، فالبلدان مستعدة».

لكن روما لم تكن قوية بما يكفي لتسود. وتبين أن القوة العسكرية الأميركية، التي كانت تبدو رائعة آنذاك، غير كافية لفرض تسوية في العراق. وفي أتون حرب الاحتلال، لم تتمكن قوتنا بأكملها من توفير الكهرباء لبغداد أو إخافة السنة والشيعة وإجبارهم على التعاون معا. لقد كانت روما ضعيفة في القلب من الجهة السياسية، حيث لم تكن لدى الولايات المتحدة قدرة على خوض حرب طويلة لم يتمكن الرئيس السابق جورج بوش الابن من توضيح أسبابها ولم يفهم الشعب.

التعليق الثاني كان لصديق سوري معارض للحرب. في عام 2002 عندما ناقشنا المعركة المقبلة للمرة الأولى، كان يقرأ «The March of Folly» (مسيرة الحماقة) للمؤرخة باربرا توشمان، التي تتناول فيها الأخطاء السياسية التاريخية. وحذر صديقي من أن أميركا على وشك ارتكاب خطأ آخر ذي أبعاد تاريخية. تجنبني صديقي بعد النقاش الحاد لعدة أشهر. وما زلت مأخوذا بما قاله حتى هذه اللحظة: «أنا آسف على حال أميركا، فأنتم عالقون. لقد أصبحتم دولة من دول الشرق الأوسط. ولن تغير أميركا العراق أبدا، بل العراق هو من سيغير أميركا».

ما هي الدروس الأخرى التي يمكن لأميركا أن تتعلمها من العراق؟ من الدروس الواضحة خطر حدوث فراغ سياسي بعد إسقاط الحاكم المستبد. لقد حلمت أميركا بتحديث العراق من خلال إسقاط نظام صدام حسين، لكن عندما حللنا الجيش العراقي الذي لا يتسم بالطائفية، وفككنا أكثر أجزاء النظام العلماني، لم يجد العراقيون سوى الهوية العرقية والقبلية ليحتموا بها سواء كانوا سنة أو شيعة أو أكرادا أو عربا.

أدرك الكثيرون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الحاجة إلى الحفاظ على تماسك الجيش العراقي والأجهزة المدنية. وكان هذا من أسباب اصطدامهم بوزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، وبطله العراقي، أحمد الجلبي، الذي أراد حل حزب البعث واجتثاثه تماما. لقد شاهدت جزءا صغيرا من المعركة في أحد أيام شهر أبريل (نيسان) عام 2003 من خلال جدل حاد حول مقر أحمد الجلبي في نادي المنصور للصيد في ضواحي بغداد. وكان عنوان العمود الذي كتبته عن هذا الأمر هو «ارتباك بوش والفوضى في بغداد».

في ظل حالة الفراغ السياسي التي أحدثناها، ارتد العراق إلى الماضي ومعه الكثير من الدول العربية. ويعد هذا من أسباب حرص أوباما الشديد هذه الأيام في التعامل مع سوريا، فهو لا يريد لأميركا أن ترتكب الخطأ نفسه مرتين. ومع ذلك، فالتاريخ قاس جدا، حيث يمكنك أن تحاول جاهدا تفادي نتيجة، بينما تساعد أنت بنفسك على تحققها بسبب سلبيتك.

هناك درس آخر هو أهمية الكرامة في العالم العربي. احتقر أكثر العراقيين صدام لأنه، فضلا عن تعذيبه لأبنائهم وبناتهم، امتهن كرامتهم. مع ذلك يبغض الكثيرون أميركا أيضا لأننا رغم كل حديثنا عن الديمقراطية، دمرنا إحساسهم بالشرف والاستقلال. وكما يثبت العالم العربي يوما بعد آخر، من فلسطين إلى بنغازي، فإن الفقراء ماديا يفضلون الموت على خسارة شعورهم بالشرف أمام غرباء دخلاء.

الدرس الأخير الذي يمكن تعلمه هو فائدة الإصرار والمثابرة. لقد ارتكب بوش خطأ كارثيا بغزوه للعراق عام 2003، لكن بعد تفجيره وتدميره للبلاد حاول بكل ما أوتي من قوة تنظيف الفوضى. وبالنظر إلى تزايد وتيرة القتل الطائفي، ساعدت زيادة عدد القوات الأميركية، التي قادها بوش والجنرال ديفيد بترايوس، في إنقاذ حياة آلاف العراقيين، ولعل هذا هو التصرف الصحيح الوحيد الذي قام به الأميركيون في هذه القصة المؤلمة.

* خدمة «واشنطن بوست»