ماذا يحدث في دماغك حينما تنصت؟

TT

حاولت مجموعة من العلماء معرفة ماذا يحدث في أدمغتنا حينما ننصت إلى الآخرين. فجاءوا بمجموعة من المتطوعين ووضعوا على رؤوسهم أجهزة تصورها باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي «fMRI»، وطلبوا منهم أن يقودوا سياراتهم تارة وهم يستمعون إلى آخرين عبر سماعة الهاتف، وتارة أخرى بتركيزهم في الطريق من دون أي محادثة أو انشغال.

فتوصلوا إلى أن الإنسان حينما «ينصت» إلى عبارات الآخرين، فإن الأنشطة العقلية لديه المرتبطة بقيادة السيارة تنخفض بمعدل 37 في المائة بالمقارنة بالقيادة بتركيز تام. بعبارة أخرى، أظهر هؤلاء العلماء من جامعة «كارنيغي ميلون» أننا حينما ننصت إلى كلمات الناس فإن ذلك يقتطع جزءا من أنشطتنا العقلية وتركيزنا؛ إذ لاحظوا أنه أثناء لحظات إنصات الفرد (وليس تحدثه) فإنه سيارته تتمايل يمنة ويسره في حارات الشارع «أشبه ما تكون بمن يقود سيارته تحت تأثير المشروبات الكحولية» وفق ما جاء في الدراسة!

بمعنى آخر، تبين للباحثين خلاف ما هو سائد بين الناس من أن فعل «التحدث» هو ما يشغل الفرد؛ إذ توصلوا إلى أن «الإنصات» أيضا يشغل ذهن الإنسان ويقتطع جزءا من نشاطه العقلي، «وحتى وإن كان يستخدم سماعة الرأس أو تقنية التحدث عبر مكبر الصوت ((speaker» وفق قولهم.

وبهذا نتوصل إلى أن محاولات البعض الإنصات إلى آخرين وفعل شيء آخر في الوقت نفسه لا بد أن تنتقص من جودة إنصاتنا مثلما يؤثر الإنصات على جودة قيادة السيارة والتركيز فيها، «فصاحب البالين كذاب» كما نقول باللهجة الخليجية! وعليه، فإن من يرد أن يمنح جليسه آذانا مصغية، فلا بد أن يفرغ قلبه وذهنه وجوارحه من الشواغل حتى يمنح المتحدث ما يستحق من وقت وتركيز، لا سيما إن كان هذا الشخص عزيزا أو حبيبا أو مديرا أو امرأة تشكو مر حالها وهي تجهش بالبكاء.

ونفهم من هذه الدراسة ومن التجارب العملية أن الإصغاء إلى الآخرين ليس مجرد نشاط عادي يؤديه الإنسان؛ بل هو أمر معقد يحدث في أذهاننا، لا سيما إذا ما أدركنا أن دماغ الإنسان أثناء الحوارات يكون عاصفا بالأفكار المتزاحمة، ومحاولات تجهيز الردود، فضلا عن مشاعر الفرد وانفعالاته ومدى انجذابه للموضوع، كل ذلك يؤدي إلى شغل حيز من النشاط الدماغي للإنسان المرتبط بطبيعة الحال بالنشاط البدني، تماما كما يحدث لسائق السيارة المنشغل بهاتفه عن الطريق.

لا يمكن للإنسان أن يغير من طبيعة دماغه، لا سيما طريقة تعامله مع تلك اللحظات العاصفة بالأفكار والشوارد الذهنية، غير أنه يستطيع تقليل ذلك برفع معدل التركيز وتقليل الشواغل. ولا ننسى أن الإنصات مثل قيادة السيارة؛ تتطلب بعض المنعطفات الحرجة جل تركيزنا، فيما لا تتطلب «طرق» أو حوارات أخرى مستوى التركيز نفسه.

[email protected]