المسلسلات

TT

أبرز سمات الصناعة التلفزيونية حول العالم، هي المسلسلات. السينما حققت أشياء كثيرة لم يكن بينها المسلسلات، لأن شاشة العرض ليست في المنزل. وفي البداية كانت المسلسلات حرفة الأميركيين (ديناستي) والبريطانيين (أعلى الدرج، أسفل السلم)، ومن ثم تحولت إلى الدول الحديثة النعمة في السينما، مثل المكسيك وتركيا ومهند ساحر أفئدة النساء.

في العالم العربي كانت الرائدة كالعادة مصر (ليالي الحلمية) لكن المسلسلات انتقلت إلى أمكنة غير متوقعة إطلاقا، مثل سوريا. وخرج الممثلون السوريون إلى قلب مصر ينافسون ممثليها على أدوار البطولة، حيث مثل تيم الحسن دور فاروق، الذي نقله إلى الراديو قبل أن تصبح مصدر الدخل الأهم للتلفزيونات أولا. معظم الروائع الكلاسيكية التي وصلت إلينا كتبا أو أفلاما، نشرت أولا على شكل فصول في مجلات أسبوعية أو شهرية. روايات تشارلز ديكنز وتولستوي ودوستويفسكي وبلزاك، كانت الناس تنتظر فصولها أمام المطابخ. أما الأميركيون فكانوا ينتظرون في ميناء نيويورك وصول المجلات التي تحمل الفصل التالي من روايات ديكنز الذي احتفلت بريطانيا العام الماضي بمرور 200 عام على ولادته.

التشويق مدرسة قائمة بنفسها. «الحكواتيون» في مقاهي بيروت ودمشق كانوا يلهبون نفوس السامعين عندما يتركون عنترة معلقا في ساحة الوغى حتى اليوم التالي، فيخرج هؤلاء غاضبين، عاتبين، يخامرهم شعور بالقلق والخوف على حال راعي الأبجر. ولا أقول ذلك ساخرا على الإطلاق. فما زلت أرهق أعصابي وأنا أشاهد فيلما مشوقا، أو أبكي دموعا غزيرة في مشاهدة فيلم عاطفي.

قبل حين قرأت في «أتلانتك مانتلي» قصة رجل عثر عليه مشنوقا في براري ولاية كنتاكي عام 2009. كُتبت التفاصيل بمهارة تفوق ديكنز وغابرييل ماركيز معا. تسمرت في الصفحات مثل الذين كانوا يأتون إلى ميناء نيويورك قبل وصول رواية ديكنز إلى المكتبات. رجل دبر انتحاره بدقة مذهلة لكي يوحي للشرطة أنه قُتل. وسبب الانتحار أنه يريد أن تدفع شركة التأمين ثمن البوليصة لابنه، الذي لا يريده أن ينشأ فقيرا. دائما الحقائق أسبق من الخيال.