ماذا فعل الجراد بأهل تبوك؟!

TT

بما أن الجراد يجتاح هذه الأيام مناطق شاسعة من السودان ومصر والسعودية، فدعوني ألقِ معكم نظرة مستعجلة على وجهة نظر (الليدي آن بلانت)، التي كتبت عن رحلاتها في الجزيرة العربية عام (1879)، وتقول فيها:

«بينما كنا نجتاز بقافلتنا عبر النفود من الجوف إلى حائل، واجهتنا أسراب هائلة من الجراد الذي يغطي البلاد هذا العام. إنها تأكل كل ما هو أخضر، وتأكلها بدورها كل الحيوانات والطيور. وقد مررنا اليوم برفوف من الغربان والصقور رابضة على الأرض تلتهم الجراد بنهم. وتجتر الجمال الجراد مع طعامها، وتطارده الكلاب طوال اليوم تأكل منه ما تستطيع التقاطه، ويقدم البدو الجراد إلى خيولهم، ويقول الرجل عواد الذي يدلنا على الطريق إن قبائل عديدة لن يكون لديها ما تأكله هذا العام سوى الجراد وشرب حليب النوق، أي أن الجراد الذي هو طاعون حقيقي يعوض عن ذلك أحيانا بتحوله إلى طعام للمحتاجين.

فأصبح الجراد الآن جزءا من طعامنا اليومي، وبعدما جربنا الجراد في أطباق مختلفة توصلنا إلى الاقتناع بأنه أفضل ما يؤكل مقليا، ويجب أن تسحب سيقان الجرادة الطويلة أولا، ثم تمسك بجناحيها وتغطس في الملح وتؤكل، أما طعمها فهو أقرب إلى الخضرة منه إلى السمك أو اللحم، والواقع أنها بالنسبة إلينا تحل محل الخضراوات التي نشعر بحاجة شديدة إليها، والجراد الأحمر أطيب طعما من الأخضر».. انتهى.

طبعا قد يستغرب البعض وقد يشمئزون، وقد لا نلومهم على ذلك، لكنهم لو علموا ماذا تفعل جحافل الجراد في أي نبات أمامها، لعذروا من يأكلونها، ولولا أنهم لم يفعلوا ذلك لكان الموت والهلاك مصيرهم.

عموما الجراد أرحم من طبق (النمل الحي) الذي يقدمه أشهر (شيف) - أي طباخ - في أوروبا والحائز مطعمه جائزة (ميشلين) العالمية.

وبما أن الجراد يأكل أي نبات، فقد اجتاحت جيوشه شمال السعودية في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، وجعلت الأرض صفصفا وبلقعا، وأكلت من ضمن ما أكلت نباتا صحراويا يسمى (السيكران)، تأنف الحيوانات أن تأكله.. وعندما وصلت أسرابه إلى تبوك تهافت وتسابق الناس على صيده وجمعه وطبخه وأكله، وهم لا يعلمون ماذا أكل الجراد!!

وكانت النتيجة أن سكر الجميع؛ رجالهم على نسائهم على أطفالهم على شرطتهم، وكل فئاتهم، فأصبح الناس تحسبهم سكارى وما هم بسكارى.

وحدثت حوادث مضحكة، تخلى فيها البعض عن وقارهم، وظهر البعض فيها على حقيقتهم، واستمر هذا الوضع (المترنح) ما لا يقل عن 24 ساعة، وبعد أن غادر الجراد منطقتهم وأفاق الجميع من غيبوبتهم في اليوم التالي، رجعوا إلى صوابهم، فتذكر البعض ما حصل، أما من ثقلوا بالأكل فلم يذكروا من تصرفاتهم شيئا.

ويا ليت كان فيه في ذلك الوقت (كاميرات) تليفونات جوالة، وصور تتداول على (النت).. يا ليت.

[email protected]