ماذا خسرنا بغياب السينما؟

TT

برأي الكاتب والروائي والسيناريست البحريني أمين صالح فإن السينما مكون رئيسي للمعرفة، وتعبير عن الروح الجمالية، وإن مفهوم «السينما كوسط ترفيهي يسعى إلى إمتاع المتفرج وتسليته» يتجاور مع مفهوم «السينما كنتاج فني يطرح الفنان من خلاله رؤيته الفكرية والفلسفية عن ذاته وعالمه».

أمين صالح قال لهذه الصحيفة «أكرر هنا ما قلته سابقا.. إنني تعلمت من السينما، عن العواطف والمشاعر والعلاقات الإنسانية، أكثر مما تعلمته من الحياة. السينما، في تصوري، حياة أخرى أعيشها لساعات معدودة لكنها حافلة بما هو آسر وفاتن».

السينما منتج شعبي يعبر عن هوية وثقافة وحضارة الشعوب، ويعبر عن انتمائها للعالم وللجمال، ومنذ القدم كانت السينما وسيلة للتقارب بين الثقافات والحضارات والتعبير عن ثقافات وأفكار ونقل رؤى ونشر مفاهيم، وربما يستطيع مقطع مصور لا تتجاوز مدته بضع دقائق أن يؤدي ما تعجز عنه مجلدات من الكتب، ليس لأن الوقت هو وقت الصورة فقط، بل لأن اللقطة تختزل عناصر التأثير الحسية والنفسية.

ينقل المخرج السعودي عبد الله آل عياف قصة ذات مغزى، حيث سأله صديق بولندي اسمه «كوبا ميكوردا» وهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة عن السعودية، فأخبره عنها وعن شعبها وعاداتها وتقاليدها.. يقول آل العياف: «سألني: هل من الممكن أن تعطيني فيلما جيدا عن كل ذلك؟.. فرددت: سأهديك كتبا متخصصة!.. فقال: لا أريد كتابا، فنحن في عصر الصورة، وما سأقرأه في أيام أستطيع أن أشاهده بعيني خلال دقائق».

في السعودية هناك ممانعة في أغلبها اجتماعية لقيام سينما، أسوة بالممانعة لكل أشكال الفنون من مسرح وموسيقى ونحت، لكن لا شيء يبقى على حاله، فالسعوديون كانوا مستهلكين للأعمال السينمائية منذ عصر الفيديو حتى أفلام السينما الفضائية. لكنهم اليوم أصبحوا منتجين أيضا، فبالإضافة لعدد من التجارب السينمائية الناضجة والمتميزة لمخرجين متمرسين مثل عبد الله المحيسن وهيفاء المنصور وعبد الله آل عياف وممدوح سالم، وبعضها حاز جوائز في مهرجانات عالمية، هناك إنتاج سينمائي شبابي يعبر عن نفسه في أيقونات فنية ذات رؤية جمالية، يجري عرضها في وسائل العالم الافتراضي، من دون إغفال الإنتاج العشوائي لكل من حمل كاميرا متصلة بهاتف محمول.

هذا التفاعل الكبير والمتنامي مع السينما يعيش على الهامش، من دون حواضن حقيقية، ومن دون اعتراف رسمي، على الرغم من وجود مسابقات ومهرجانات للفيلم السعودي، تجتذب تجارب شبابية تصنع إبداعها بإمكانات ذاتية من دون دراسة أو تمويل أو قدرة على العرض أمام الجمهور.

غياب السينما أصاب الذائقة الجمالية للمجتمع بأسره، تماما كغياب الفنون والمسرح، كله جعل الحياة أكثر قسوة وأشد صرامة، وأكثر عبوسا، وأغلق أبوابا واسعة للثقافة والمعرفة.

وعلى حد تعبير الدكتور عبد الله صادق دحلان، الكاتب المعروف وعضو مجلس الشورى السابق («الشرق الأوسط»، 23 يونيو/ حزيران، 2006) فإن «دخول دور السينما للسوق السعودية سيسهم في نشر ثقافة الشعب وسيعمل على توجيه الشباب والشابات نحو الفكر الإسلامي المعتدل وسيفتح أبوابا لنشر المعرفة ومعالجة قضايا اجتماعية هادفة».

لا أحد يطالب بأن تكون السينما وسيلة للتخريب الثقافي أو لتجريح الالتزام الديني والأخلاقي أو أن تكون - كما يتصورها البعض - معولا لهدم القيم الاجتماعية، لكن حتى تحت سقف الفن «الملتزم» يمكن أن تقوم تجارب سينمائية معبرة عن الفن والثقافة والهوية والفلكلور والتراث الحضاري للمجتمع.